أعشق وحدتى، مهما نالنى من تقريع ولوم عليها، فهى تعطينى الفرصة؛ لأمارس عادتى فى تأمل الحياة بمواقفها، ودروسها وبالرغم أن نظرتى للحياة بمفارقاتها نظرة ساخرة.. إلا أن السخرية هى حالة من التأمل الطريف، والمثير لعقل الإنسان المحدود فأحيانا التأمل يكشف لك قسوة الحياة أو رحمة القدر.. صفاء النفوس، أو رعونة البشر، كما أن التأمل يحتم علينا أن ننظر لكل أبطال الحياة وكواليسها بنظرات متعددة، ومختلفة فالحياة قصيرة، ونحن نقتتل عليها.. فلا ينال الفائز من الغنائم ما يستحق القتال.. ولا يخسر المهزوم فى حلبة الحياة أكثر مما نال.
نظرتنا للأشخاص يجب أن تكون نظرة تكاملية من جميع الزوايا.. نظرة تدرك جميع الجوانب حتى تكون منصفة.. فالنظرة الأحادية لا يمكن ألا أن تكون مجحفة.. ونظرتنا للأشياء هى باب واسع للتأمل، فقد خرجت نظرية الجاذبية للوجود بسبب نظرة “نيوتن” لسقوط التفاحة بشكل تأملى مختلف.
قد يكون مجال البصر محدودا، أو قاصرا، أو طويلا، نحتاج له حينئذ لنظارة فتقرب لنا الأشياء أو تبعدها، توضحها أو تكبّرها
وقد ترى النظرة الهادئة المتأنية مالا تراه الساخرة، وترى الأخيرة عمقاً لا تراه السطحية، وتتعدد النظرات للحياة أو لمواقفها.. دون سرد أو تصنيف لها، ف نظرة ساخرة تقول إن كلنا فى مسرح كبير نمثل أدورا قد ننجح فى أدائها، أو نخفق، ونظرة هادئة تقول إن تلك الأيام نداولها بين الناس، ونظرة واثقة تقول إن غدا لناظره قريب ثم يكون أقرب مما نتخيل.
أشعر بالتقصير إذا ما نظرت لموقف أو قرار من نظرة واحدة فقط، وأتذكر حينئذ الأفلام ثلاثية الأبعاد ( ( 3dالتى تتيح للمتفرج رؤية أوضح وأعمق فإذا لم تنظر إلى الموقف بنظرة ثلاثية الأبعاد تتضمن الطرفين، وظروف كل منهما.. فعلى الأقل لتكن من خلال بعدين أنت والطرف الآخر.
فقد ترى بنظرتك المحدودة الشخص المرموق الثرى سعيدا وقد أوتيت له مقومات السعادة، ولكن ما إن ترتدى نظارتك فتقترب منه، فتجده ليلا يعانى الأرق، ونهارا يعاند المرض، ويبدو للآخرين سعيدا رغم آلامه التى تحرمه لذة الاستمتاع بكل مقومات سعادته.
وقد تعتقد أن هذا الناجح المتميز هو نتاج عوامل إيجابية أدت لنجاحه من بذل مادى، وأسرى، وما أن تنظر له عن بعد بنظرة شاملة؛ فتجده وحيدا، فقيرا، امتطى صهوة النجاح حيث لا درج لمثله يوصله للعلا إلا تفوقه وتميزه.. فتذهب فرحة نجاحه أدراج الرياح إذ لم يجد من يشاركه إياها.
فالوضوح هو محك حكمنا على الأشياء، والمواقف، والأشخاص
أن نشاهد الشىء بوضوح فنحكم بصلاحيته، أو فساده، أن نرى الموقف بوضوح؛ فنستطيع أن نسيطر عليه، أن نبصر الشخص بوضوح وإنصاف؛ فتنجلى لنا شمائله لا أن تتوارى خلف رذائله
أن نرى ونبصر ونشاهد الشخص، ومواقفه وما أحيط به من أشياء ومتغيرات، ففقد نعذره، أو ندينه، نُثنى عليه أو نُشينه، نتخلى عنه أو نُعينه، فبوضوح الرؤية تنجلى لنا المواقف، وتنكشف لنا الأشخاص، وتتضح لنا الأشياء.
هناك من الأمور ما تتطلب أن نراه عن بعد؛ لتتسع نظرتنا وتشملها، وهناك من الأمور الأخرى التى تتطلب أن نراها عن قرب، فالتفاصيل الدقيقة تتطلب الاقتراب.. والرؤية الشاملة الواسعة تتطلب الابتعاد.
فالوجه القبيح قد تراه فى الغد جميلا عندما تقترب منه.. والعكس صحيح، والمشهد الغامض قد يكون أكثر وضوحا حين تبتعد عنه فتشمله نظرتك، والشىء المجهول يصبح معلوما إن غصت فيه، وعرفت عنه، والبعيد متناهى الصغر تراه عملاقا إن قرب، والقريب متداخل التفاصيل تراه واضحا إن بعدت عنه، إنها نظارة نرتديها إن أردنا نستوضح بها الأشياء.. نكتشف بها الأشخاص.. إن الحياة بمعتقداتها وتعقيداتها.. بشخوصها وطقوسها.. بمواقفها وتوافهها.. بمن يعيشون فى عناوينها، أو على هوامشها.
كل هذا يحتاج منا إلى رؤية متعددة الأبعاد.. رؤية شاملة بتفصيل.. رؤية كاملة غير مشوشة.. حتى يكتمل المشهد، فربما يكون المشهد واضحا.. والرؤية القاصرة تراه مشوشا.. ومن هنا تكمن المشكلة فينا وليس فى الآخر من خلال نظرة غير واضحة، فالنظرة البعيدة الشاملة تبصر بها شرفة جارك بوضوح فى حين لا ترى شرفتك بنظرتك المحدودة، وتكون المشكلة فى نظرتنا، أو عدم وجود نظارتنا، وقد اعتدت أن ترافقنى نظارتى.. أرتديها حينا ، وأخلعها أحيانا.
قد لا تكون منظار جاليلو.. ولكنها على الأقل سوف تمهلنى وقتا أراجع فيه موقفا حين أشرع فى خلعها، أو ارتدائها، وهذا الوقت قد يكون سببا فى أن يخمد بركانا.. أو يعقد لسانا.. أو يظهر بيانا..
وكما قال الكاتب دنيس واتلى، "إن نظرتك تجاه الأشياء هى من اختيارك أنت"، إن نظارتك هى نظرتك فلا تلبسها كل الوقت، ولا تخلعها بعض الوقت.. فقط اجعلها ترافقك فترفق بك، وتترفق بأشيائك التى قد لا تتبينها، وأناسك الذين لا تعرفهم.
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mustafa
شكرا
كلام جميل يا استاذة ريم
عدد الردود 0
بواسطة:
ام مازن
حقيقه تحتاج الي نظاره