أتمنى ألاّ يسمح بحضور الرئيس السابق حسنى مبارك بقية جلسات محاكمته، لا أجد ضرورة لحضوره، كان مفهومًا أن يحضر الجلسة الأولى الإجرائية ليتأكد الرأى العام من جدية المحاكمة، وأن «مبارك» لم يتم تهريبه كما تردد وقتها، ولا أنه فوق القانون والمساءلة، كما تصور البعض، هو يحضر الجلسات ولا يسأل فى شىء، ولا يتكلم بالمرة.. وبات حضوره على هذا النحو مسألة مهينة للشعور الإنسانى، كاميرا التليفزيون تحرص فى كل جلسة على أن تنقل وصول الطائرة الطبية التى تنقله، ثم بطن الطائرة يفتح ليخرج ممددًا على سرير طبى، ثم يحمل بملاءة السرير، وكأنه شىء أو كيس أشياء، ينتقل هكذا «هيلا بيلا» إلى سرير آخر، يظل راقدًا عليه، ومغطى ببطانية المركز الطبى، وفى الجلسات الأخيرة يرتدى نظارة سوداء كبيرة، لا تتيح لأحد أن يرى عينيه، وربما تتيح له هو أن يرى الآخرين.
رحت أتأمل صورته فى الجلسة الأخيرة التى نشرت بصدر الصفحة الأولى من الأهرام - عدد الثلاثاء - وكان واضحًا أن الجلد مضغوط فوق الحاجب، مما يعنى أن الرجل يفتح عينه اليمنى بقوة، لا أفهم لماذا؟ أو كيف؟!
وجه الرجل على السرير وشعره المصبوغ يوحيان بأنك أمام وجه شخص متجهم، يحتمل النوم طوال هذه الساعات، وفى صمت تام، متابعًا كل شىء، حتى أنه رفع يديه على رأسه حين طالبت النيابة العامة بإعدامه، المشهد مسىء ومستفز.. أن نرى وجه الطاغية وهو يزداد طغيانًا بصمته، لو أنه تكلم وحاول أن يدافع عن نفسه أو يبرر ما فعل أو حتى يعتذر لكان أكرم له.. وجدنا «صدام حسين» يدافع ويبرر مواقفه فى جلسات المحاكمة، وبعض ما قاله مهم، وفى المحاكمة العاجلة التى أجريت لطاغية رومانيا نيكولاى تشاوشيسكو تكلم وسخر من الذين يحاكمونه، أما مبارك فهو من نوعية مختلفة، إنه يصر على ازدراء الجميع، حتى وهو يحاكم، مازال يستخف بكل شىء، حتى بتاريخه كمقاتل.
المقاتل والفارس الحقيقى ينتحر، حين يتبين الهزيمة ويدرك الفشل، ولا أظن أن الانتماء فى هذه الحالة يدخل فى باب الكفر بالله أو اليأس من رحمته، بل قد يكون مزيدًا من الإيمان، إذ إنه ينطوى على إدراك حقيقى لحجم الخطأ أو الجرم الذى وقع فيه، لكن الرئيس السابق فقد روح المقاتل وأخلاق الفرسان، وإذا كان هو لا يدرك، أو يصر على استفزاز الآخرين، فلا يجب أن يسمح له بذلك, هذا الرجل يحاكم الآن، لكنه كان رئيسًا لجمهورية مصر، وكان قائدًا من قادة حرب أكتوبر، ومن ثم فلا يجب أن نسمح لمن شغل هذا الموقع بأن يكون فى هذا المشهد، يحاكم نعم، يحكم عليه بالإعدام وينفذ هذا الحكم، إذا قضت المحكمة بذلك، لكن لا يجب أن نقبل بهذا الوضع المهين الذى ارتضاه هو لنفسه، لا أتصور أن حالته الصحية تحول دون أن يجلس على كرسى متحرك، ولا أن يتكلم ويدافع عن نفسه أو يشرح لنا ما قام به.
مبارك عنيد، وهو الآن يعاند نفسه، فى السنوات الأخيرة من حكمه، تحديدًا فى السنوات العشر الأخيرة حاول أن يعاند الشعب المصرى، وأن يعاند حركة التاريخ وصيرورته، فصرعه الشعب وهزمه التاريخ، لكنه بقى على عناده الذى يوجهه الآن نحو اسمه وتاريخه، لا يريد أن يترك عن نفسه فى خيال المصريين مشهدًا طيبًا.
يبدو أن الرئيس السابق ومن حوله تصوروا أن ظهوره بهذا المشهد قد يجلب له تعاطف المصريين، لكنه جاء بالعكس، كان يمكن أن يجد تعاطفًا لو وقف صلبًا فى المحاكمة يدافع ويشرح لنا ما قام به أو يعترف بأخطائه وسوء تقديره وتصرفه، حوكم من قبل طومان باى وأعدم شنقًا، لكنه كان صلبًا وفارسًا فحمله المصريون فى ضمائرهم إلى اليوم وصار رمزًا من رموزهم، مبارك يسىء الاختيار والتصرف، حتى وهو محنة إنسانية، ومن واجبنا ألاّ نسمح له بممارسة ذلك الخطأ أكثر من ذلك، بأن يمنع من حضور الجلسات إلى أن يصدر بحقه حكم المحكمة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد محمود
وان بدا العكس
عدد الردود 0
بواسطة:
Markos
مقزز و يثير الغثيان
عدد الردود 0
بواسطة:
حميدو
لا وإنت الصادقه أيتها الكاتبه ....
عدد الردود 0
بواسطة:
حميدو
تصحيح العنوان السابق لتعليقي (لا وانت الصادق أيها الكاتب)
عدد الردود 0
بواسطة:
made7
مقال رائع يا استاذ حلمى .
عدد الردود 0
بواسطة:
محب لمصر
تحيه لكل مشارك