معصوم مرزوق

مشاكل صنع القرار

السبت، 14 يناير 2012 04:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تناولنا فى مقالنا السابق القناعة الشخصية لصانع القرار، وسنلاحظ أنه بنفس التدرج فى مقدار سلطة صانع القرار يتدرج نفاق المحيطين به، فيؤكدون لديه اقتناعه الشخصى حين لا يرون إلا ما يراه، ولا يسمعون إلا ما يسمعه، وتتحول قراراته إلى إلهام إلهى، بل ويتحول هو نفسه إلى إله يقول للشىء كن فيكون!

ولكننى أريد أن أتحفظ على الاستنتاجات السابقة، لأننى كما سبق وأوضحت لا أعتقد فى أن كل المقولات والمسلمات مطلقة، فهناك من يمتلكون السلطة إلا أنهم احتفظوا برؤوسهم فلم تترنح بخمرها، ثم إن هناك ما هو أعجب من ذلك، فهناك من لا يمتلكون أى سلطة، ولكن لديهم مرض «إدمان السلطة»، وهؤلاء يمارسون مفاسد السلطة دون أن يمتلكوا السلطة نفسها، وهم فى الغالب يدمرون أنفسهم ومن حولهم.

إن أكثر المشاكل تعقيداً هى محاولة الوصول إلى المعلومات التى تكونت منها فى النهاية رؤية صانع القرار، فالمحلل السياسى يحاول أن يكتشف الجسور التى تربط بين المقدمات والنتائج، وهى المرحلة التى يختمر فيها القرار السياسى، ما أسباب القرار وما آثاره؟ فعلى سبيل المثال لدينا الآن أسباب إغلاق خليج العقبة عام 1967 فى وجه الملاحة الإسرائيلية، ولدينا أثر ذلك القرار، وهو حرب يونيو 1967، لكن فى المسافة ما بين الاثنين توصلت الأطراف المتصارعة إلى قرارات، توصلت مصر إلى قرار بعدم البدء بالضربة الأولى، بينما توصلت إسرائيل إلى قرار بشن حرب شاملة، ويبقى السؤال الجوهرى هو كيف توصلت كلتا القيادتين إلى هذه القرارات؟ لا شك أن التوصل إلى الإجابة يتطلب تحديد الأهداف التى كان صانعو القرار فى البلدين يسعون لتحقيقها، وكذلك حساباتهم ومقدار فهمهم للمعطيات الموجودة، ولكن ذلك ليس دقيقاً على الدوام، فرغم أن معظم دراسات الحالة تفترض أن المعطيات الموجودة عند ظهور حدث ما هى التى أثرت على النتائج، إلا أنه لا يصح مثلاً أن نذكر أن إغلاق خليج العقبة قد أدى إلى حرب يونيو، فربما نشبت الحرب لسبب آخر «مجرد سحب قوات الطوارئ الدولية مثلاً»، ولكى نفهم السياسة الإسرائيلية فإنه ينبغى علينا - فى هذه الحالة - أن نحاول دراسة الموقف إذا كانت مصر لم تقم بإغلاق خليج العقبة.

ومن القواعد السلوكية المهمة أن الإنسان الذكى إذا أراد أن يعرف كيف يتصرف، فإن عليه أن يتنبأ بردود فعل الآخرين، ولا ينبغى عليه أن يتصور أن كل الأفراد يتصرفون بنفس الكيفية إذا مروا بظرف واحد.. إلى غير ذلك من قواعد علم النفس السلوكى وفى ضوء ما تقدم، فلعل القارئ الذكى يحاول تطبيق ذلك على كيفية اتخاذ مصر قرارها بإغلاق خليج العقبة، ومدى سلامة هذا القرار؟

وللمساعدة فى حل هذا اللغز، فليس جوهر المشكلة هو التوصل إلى حسابات القيادة المصرية التى أقدمت بناء عليها لتنفيذ هذه العملية، وإنما المهم هو أن نعرف كيف لم تحسب هذه القيادة ردود الفعل التى ووجهت بها؟ لدينا معادلات كثيرة يجب ضبطها قبل الإقدام على عملية مشابهة سواء فى الحرب أو السلام، وأولى هذه المعادلات هى تقديرات القيادة السياسية لقواها الذاتية، ثم تقديراتها لقوى الخصم والخصوم المحتملين، ثم تقديراتها لتقديرات هؤلاء الخصوم، وأى خطأ فى عناصر هذه المعادلات يؤدى إلى دفع ثمن فادح.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة