محمد العجمى يكتب: فقد دانت لهم السيطرة

إذا سلمنا أن حقيقة الأمور يكون لها ثلاثة أبعاد تراها العين المجردة، فإذا كُشف عما وراءها أدركت البصيرة البعد الرابع لها، إلا أنه تظل أمور أكثر تعقيداً، متداخلة ومتشابكة أبعادها، وبالتالى يصعب إدراكها وتحديدها والتحكم فيها أو التمكن من خلالها.

وقد يصعب أن يحالفك الحظ دائماً لإدراك الحقائق كاملة، إلا أنه تظل أمور واضحة الدلائل، بادية كالشمس فى ربوع النهار، لا يخالطها سحب أو غيوم، وقد لا تجد ذلك إلا إذا كنت ذا فكر وبصيرة وتتصرف بالحكمة فى مواطن الشبهات وهذه ببساطة هى أدوات التحكم التى يمتلكها عقلك وتصفوا عليها روحك، هى أدوات السيطرة التى تمتلكها والتى لا تسلب منك إلا إذا خالطها شيئين، "الخوف والغضب"، لأن الخوف يشل الروح، والغضب يعطل إبداع العقل، ويذهب بالحكمة، والخوف والغضب شعوران، كفيل أحدهما أن يُفقدك التحكم على نفسك، وهو ما يجعل السيطرة حينها تدنوا للخصوم، ليتحكموا فيك وبسهولة وكيفما أرادوا.

ذلك كانت "السيطرة على النفس" هى الدرس الذى علمه الإنسان المصرى للعالم كله يوم الثلاثاء 25 يناير 2011، يومها خرج الشباب ومن ورائهم الشعب وهم واثقون بأنفسهم بلا خوف لكن بغضب، وبغضب متحكم فيه بصورة جعلت قوات حفظ النظام تفقد السيطرة التامة على نفسها، حتى تفلت زمام السيطرة منهم إلى المعدن البشرى المصرى الأصيل برايته البيضاء "سلمية سلمية"، وقد كانت المطالب يومها موحدة وهتف الشعب بها وغزوا الميادين برجالهم ونسائهم وأطفالهم وحضروا بأجسادهم وطافوا على الشوارع بقلوبهم وأرواحهم، وبهدوء نفس شديد رفع سقف المطالب من مظاهرة ضد عنفوان الشرطة فى عيدهم المجيد إلى سقوط رأس الأفعى ومن وراءه نظامه البغيض.

ومرت الأيام والليالى ثم الشهور، وقد اشترى البعض مصالحه بعد خروجه من القبور، إلا أن المشاهد والمواقف للنظام تزداد نفوذاً ونفور، فتحرك البعض الآخر بغضب وثار، على ما أعد لهم من مكامن وأشرار، لكن كان تحركهم بلا تحكم بلا تمسك بـ "سلمية سلمية"، فوقع مصابين وشهداء أكثر من 25 يناير، وطال الباقين منهم التهم والسحل والسجن لأنهم غضبوا مع سبق التراشق بالحجارة، فوقعوا دون إدراك فى الفخ.

ثم ها هو الزمان يأتى بيوم الأربعاء 25 يناير 2012، فاليوم اسمه واحد ليعطى الأمل للجميع بعد أن ترسخ فى الأفق أن إرادة الشعب هى التى تخلع العروش وتزلزل الأركان، لكن الظروف اختلفت والوحدة تفككت والبصيرة ضعفت والظلم قد عاد، فكيف ستحقق أهداف الثورة، كيف يتغلب على الخوف وكيف يحكم الغضب، لهذا وجب السؤال المهم، وهو: "على أى شىء ستثور جموع الشعب؟ وهل هو تجدد للثورة أم يوم للذكرى؟

فليس اليوم كالبارحة فالأمس ثقلت فيه موازين السيئات وطفح الكيل فانفجر الناس، أما اليوم كثرت فيه الموازين وأصبح لكل قوم ميزان ومكيال، ومن وراء الكواليس ظهر البُعد الرابع واكتشف أن شريك الأمس خصم اليوم ولديه ألاعيبه وقانونه وفلوله، فكيف ستصمد بـ "سلمية سلمية" إذا دس بينك البلطجية ؟

فهل لدى الثوار من مخرج بديل؟ هل لهم أن يذكروا الشعب بآمالهم وأحلامهم، وأن الثورة لا تزال سلمية سلمية، حتى لو فعل بها الأفاعيل، وأن الثورة هى الغد المشرق لنا ولأولادنا من بعدنا، هى أمل للحلم الجميل، هى الطهارة لأنها تطالب بإقامة العدل لا مجرد تحقيقه وبإكرام الفقير لا مجرد تسكيته وببناء إنسان كريم لا تشتيته، هى تعنى أنه سيُرحم الضعيف ويُرفع الظلم ويُحاكم الجانى... ثم تنهض الحضارة، تلك الحضارة التى تعلم الدنيا وتقول للملوك باختصار: "إن الظلم إذا بات قانوناً فإن الثورة تصبح واجبة، فإذا تمسكتم بعروشكم فقد دانت حقاً لشعبكم السيطرة".