فى أغسطس لعام 2011، تم اختيار الكاتب الكبير الراحل "إبراهيم أصلان"، رئيسًا لمشروع مكتبة الأسرة، التابع للهيئة المصرية العامة للكتاب، فتلقى الأدباء والمثقفون هذا النبأ بترحاب كبير، لما يمثله "أصلان" من قيمة فكرية، ورؤية مستقبلية، قادرة على النهوض بهذا المشروع الذى زاد اللغط حوله كثيرًا، ومنذ ذلك الوقت، والمثقفون والقراء ينتظرون باكورة أعمال هذا المشروع بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، والتى من المقرر أن تعرض فى أجنحة الهيئة، بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، فى دورته الثالثة والأربعين.
كان أول ما فعله "أصلان" تشكيل لجنة عليا للمشروع مكونة من ثمانية أعضاء من الكتاب والنقاد والمفكرين، من غير العاملين بالهيئة، وهم: الدكتور أحمد زكريا الشلق، الدكتور أحمد شوقى، وطلعت الشايب، وعبلة الروينى، وعلاء خالد، وكمال رمزى، والدكتور محمد بدوى، والدكتور وحيد عبد المجيد.
وبالرغم مما ألم بـ"أصلان" من إرهاق وألم، أدى بنقله إلى مستشفى القصر العينى الفرنساوى، إلا أنه كان حريصًا على متابعة أعمال اللجنة، ورؤية ثمرة جهدها، إلا أن المنية وافته قبل رؤية هذه الأعمال، التى تمثلت فى ثلاث كتب فى سلسلة الأدب وهم (مجموعة قصصية للراحل الكبير "خيرى شلبى" بعنوان "أسباب للكى بالنار"، والعالم الروائى عن نجيب محفوظ للكاتب إبراهيم فتحى، ورواية للكاتب محمد البساطى بعنوان "صخب البحيرة")، وكتابين ضمن سلسلة إنسانيات وهما (الفكر المصرى فى العصر المسيحى للدكتور رأفت عبد الحميد، والدين والثقافة والسياسية فى الوطن العربى للدكتور حسن حنفي)، وكتاب ضمن سلسلة سير وتراجم بعنوان "على الجسر.. بين الحياة والموت" للدكتورة عائشة عبد الرحمن".
"اليوم السابع" حصلت على هذه الأعمال، التى تمنى "أصلان" رؤيتها قبل رحيله، وكان الأجمل ما كتبه "أصلان" عن تاريخ هذه المشروعات، فى مقدمة بعنوان "مكتبة الأسرة... مشروع له تاريخ" يقول فيها:
"مشروع "القراءة للجميع" أى حلم توفير مكتبة لكل أسرة، سمعنا به أول مرة من رائدنا الكبير الراحل توفيق الحكيم.
وكان قد عبر عن ذلك فى حوار أجراه معه الكاتب الصحفى منير عامر فى مجلة "صباح الخير" مطلع ستينيات القرن الماضي، أى قبل خمسين عامًا من الآن.
كان الحكيم إذًا هو صاحب الحلم، وليس بوسع أحد آخر، أن يدعى غير ذلك.
وهو، جريًا على عادته الخلاقة فى مباشرة الأحلام، تمنى أن يأتى اليوم الذى يرى فيه جموعًا من الحمير النظيفة المطهمة، وهى تجر عربات الكارو الخشبية الصغيرة، تجوب الشوارع، وتتخذ مواقعها عند نواصى ميادين المحروسة، وباحات المدارس والجامعات، وهى محملة بالكتب الرائعة والميسورة، شأنها فى ذلك، شأن مثيلاتها من حاملات الخضر وحبات الفاكهة.
ثم رحل الحكيم مكتفيًا بحلمه.
وفى ثمانينيات القرن الماضى، عاود شاعرنا الكبير الراحل صلاح عبد الصبور، التذكير بهذا الحلم القديم، وفى التسعينات من نفس القرن، تولى الدكتور سمير سرحان تنفيذه تحت رعاية السيدة زوجة الرئيس السابق.
هكذا حظى المشروع بدعم مالى كبير، ساهمت فيه، ضمن من ساهم، جهات حكومية عدة، وخلال عقدين كاملين صدرت عنه مجموعة هائلة من الكتب، بينها مؤلفات ثمينة يجب أن نشكر كل من قاموا باختيارها، إلا أنه، للحقيقة ليس غير، حفل بكتب أخرى مراعاة لخاطر البعض، وترضية للآخر، ثم إن المشروع أنعش الكثير من متطلبات دور النشر، بل اصطنع بعضها أحيانًا.
وبعد ثورة 25 يناير والتغيرات التى طرأت توقفت كل الجهات الداعمة لهذا المشروع الثقافى عن الوفاء بأى دعم كانت تحمست له عبر عقدين ماضيين، سواءً كانت هذه الجهات من هنا، أو كانت من هناك.
ولم يكن أمام اللجنة إلا مضاعفة التدقيق فى كل عنوان تختار، وسيطر هاجس الإمكانات المحدودة التى أخبرتنا بها الهيئة فى كل آن.
والآن لم يبق إلا أن نقول أن هذه اللجنة كانت وضعت لنفسها معيارًا موجزًا:
جودة الكتاب أولاً، ومدى تلبيته، أولاً أيضًا، لاحتياج قارئ شغوف أن يعرف، ويستمتع، وأن ينمى إحساسه بالبشر، وبالعالم الذى يعيش فيه.
واللجنة لم تحد عن هذا المعيار أبدًا، لم تشغل نفسها لا بكاتب، ولا بدار نشر، ولا بأى نوع من أنواع الترضية أو الإنعاش، إن لم يكن بسبب الحسنة، فهو بسبب من ضيق ذات اليد.
لقد انشغلنا طيلة الوقت بهذا القارئ الذى انشغل به قديماً، مولانا الحيكم.
لا نزعم، طبعًا، أن اختياراتنا هى الأمثل، فاختيار كتاب تظنه جيدًا يعنى أنك تركت آخر هو الأفضل دائمًا، وهى مشكلة لن يكون لها من حل أبدًا. لماذا؟
لأنه ليس هناك أكثر من الكتب الرائعة، ميراث البشرية العظيم، والباقى.