نرمين كحيلة تكتب: وعد الحر دين عليه

الأربعاء، 11 يناير 2012 12:25 ص
نرمين كحيلة تكتب: وعد الحر دين عليه صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يستهين كثير من الناس هذه الأيام بإخلاف الوعد ولو علموا مدى بشاعة هذا السلوك لفضلوا الموت على إخلاف الوعد.. فقد قال رب العزة:" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" (الصف:3)

ناداهم بوصف الإيمان ليؤكد أن الإيمان من شأنه أن يمنع المؤمن من أن يخالف فعله قوله كما نقول نحن مثلا: يا ذكى افهم أو يا أمين لا تخن، يعنى ليس هناك مؤمن من صفاته إخلاف الوعد. "كبر مقتا" أى شىء كبير جدا عند الله أن تفعلوا ذلك الفعل الشنيع و"المقت" هو البغض الشديد أى أن الله يكره هذه الصفة الذميمة كرها شديدا ولا يقبل أن يتصف بها المؤمن.

ولهذا قالت الحكمة المأثورة: "وعد الحر دين عليه" أى أن كلمته ووعده الذى تلفظ به لسانه هو بمثابة دين معلق فى رقبته وجب عليه الوفاء به تماما مثلما يقترض شخص أموالا وتصبح دينا عليه.. تأمل كلمة "الحر" أى أن العبد لا يلتزم بوعده لأنه لا يمتلك نفسه، بل هو ملك لغيره لكن الحر عار عليه ألا يفى بوعده حتى لو كلفه ذلك حياته.

وقديما قالوا: "الرجل يُربَط من لسانه" أى أن الكلمة التى وعد بها ربطته وألزمته حتى لو لم يكتب بذلك عقدا.. لاحظوا معى كلمة "الرجل" أى أن من يخلف وعده ليس رجلا.

وهذا هو تعريف الله للرجولة: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما" (الأحزاب: 24،23) لم يقل الله عزو جل كل المؤمنين رجال، بل قال بعض منهم فقط أى أن صفة الرجولة لا يتصف بها إلا الذين تطابق أفعالهم أقوالهم.

لما ذكر عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذى كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الأدبار، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق وصدقوا ما عاهدوا الله عليه "فمنهم من قضى نحبه" قال بعضهم: أجَله، وقال البخارى: عهده. وهو يرجع إلى الأول.

"ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" أى: وما غيروا عهد الله، ولا نقضوه ولا بدلوه.

فقد تتعلق آمال وأحلام وحياة إنسان بكلمة وعد منك، وقد يدمر حياته إخلافك لهذا الوعد.. شاب مثلا وعد بنتا أن يتزوجها فتعلقت آمالها وأحلامها به ورفضت كل من تقدم لها ورهنت نفسها له، ثم بعد ذلك أخلف وعده معها ولم يتزوجها فمن الممكن أن يحطم قلبها وربما مستقبلها وحياتها بسبب إخلافه لوعده.. وحكومة تدلى بتصريحات ووعود لشعبها ثم لا تحقق منها شيئا فتحطم آمال شعب كامل.. أب وعد ابنه بشىء ولم يفعله، فيكون قدوة سيئة لابنه، وبالتالى يفقد الثقة بأبيه.. زوج يعد زوجته بشىء ولا يفعله.. وهكذا.

والله سبحانه وتعالى ذم بعض الشعراء هل تعرف ما السبب؟ لأنهم يقولون ما لا يفعلون، قال تعالى": والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم فى كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا..." (الشعراء: 6) فعلى سبيل المثال قال أحمد شوقى:
رمضـان ولـى هاتهـا يا سـاقِ مشتـاقة تسعـى إلى مشتـاق
هذا البيت يناجى به أحمد شوقى كأس الخمر أو زجاجة الخمر رغم أن أحمد شوقى نفسه كان لا يشرب الخمر، فحينما ذهب إليه الشيخ الشعراوى وسأله عن هذه القصيدة تلى عليه شوقى هذه الآية "وأنهم يقولون مالا يفعلون".

ولهذا ينبغى للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهى عن الشر أن يكون أبعد الناس منه، قال تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ".

وقال شعيب عليه السلام لقومه: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه".
(هود:88) ، يعنى أنه يقول لقومه: لا يمكن أن أنهاكم عن نقص المكيال والميزان وأنا أفعله، وعن أبى زيد أسامة بن زيد بن حارثة - رضى الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فليقى فى النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدورُ الحمارُ فى الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك؟ ألم تك تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمرُ بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه" متفق عليه.

هذا الحديث فيه التحذير الشديد من الرجل الذى يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، والعياذ بالله. يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة" أى تأتى به الملائكة، فيلقى فى النار إلقاء، لا يدخلها برفق، ولكنه يلقى فيها كما يلقى الحجر فى اليمّ، وتندلق أقتاب بطنه، يعنى أمعاءه، ومعنى تندلق : تخرج من بطنه من شدة الإلقاء- والعياذ بالله.

" فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحى" وهذا التشبيه للتقبيح، شبهه بالحمار الذى يدور فى الرحى، وصفة ذلك: أنه فى المطاحن القديمة قبل أن توجد هذه المعدات الجديدة، كان يُجعل حجران كبيران وينقشان فيما بينهما أى ينقران، ويوضع للأعلى منها فتحة تدخل منها الحبوب، وفيها خشبة تربط بمتن الحمار، ثم يستدير على الرحى، وفى استدارته تطحنُ الرحى. فهذا الرجل الذى يلقى فى النار يدور على أمعائه- والعياذ بالله - كما يدور الحمار على رحاه، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون له: ما لك؟ أى شىء جاء بك إلى هنا، وأنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول مقراً على نفسه: "كنت آمر بالمعروف ولا آتيه" يقول للناس "صلوا ولا يصلى. ويقول لهم :زكوا أموالكم ولا يزكى. ويقول: بروا الوالدين، ولا يبر والديه، وهكذا يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتيه". وأنهى عن المنكر وآتيه" يقول للناس: لا تغتابوا الناس، لا تأكلوا الربا، لا تغشوا فى البيع، لا تسيئوا العشرة، لا تسيئوا الجيرة، وما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة التى ينهى عنها، ولكنه يأتيها والعياذ بالله، يبيع بالربا، ويغش، ويسىء العشرة، ويسىء إلى الجيران وغير هذا، فهو بذلك يأمر بالمعروف ولا يأتيه ، وينهى عن المنكر ويأتيه - نسأل الله العافية - فيعذب هذا العذاب ويخزى هذا الخزى.

يقول الدكتور محمد العريفى: "جاءنى رجل يلح فى مقابلتى لشىء ضرورى فلما قابلته قال لى: يا شيخ عندى أخ يحمل الشهادة الإبتدائية وأريدك أن تدبر له وظيفة.. أيقنت أنى لو وعدته سأخلف.. فنحن فى زمن لا يكاد حامل البكالوريوس أن يجد وظيفة.. فضلا عن حامل الابتدائية.. وأنا أعرف حدود قدراتى.. فقلت: يا أخى والله أتمنى أن أساعدك وأخوك أخى وأنا أتألم له كما تتألم لكنى لا أستطيع مساعدتك أبدا أتمنى أن تتكرم على وتعفينى.. فناولنى الورقة التى فى يده وقال: يا شيخ خذ هذه الورقة فيها أرقام هواتفنا إذا وجدت له وظيفة فاتصل بنا. فقلت: بل دع الورقة معك وخذ رقمى أنت وإن وجدت وظيفة فاتصل بى لعلى أكتب لك شفاعة للمسئول فيها، فقال لى:بيض الله وجهك والله يا شيخ سبق أن كلمت الأمير فلان فى موضوع أخى منذ سنة فأخذ الورقة أيضا ولم يتصل ولم يهتم.. هؤلاء أناس لا يهتمون بالضعفاء.. الله ينتقم منهم.. فقلت فى نفسى: الحمد لله.. لو أخذت الورقة لصرت ثالثهم".

فلا تعد بما لا تستطيع فعله ولا تقول ما لا تفعله وتعلَّم أن تقول "لا" فلأن تعتذر فى البداية خير لك من أن تعتذر فى النهاية.





مشاركة




التعليقات 7

عدد الردود 0

بواسطة:

د هاني أبوالفتوح

بارك الله بك وفيك وفي فكرك وقلمك

عدد الردود 0

بواسطة:

نرمين كحيلة

شكرا دكتور هانى

عدد الردود 0

بواسطة:

د.هشام منصور

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا

عدد الردود 0

بواسطة:

عصام كرم الطوخى

جزاك الله كل خير

عدد الردود 0

بواسطة:

هيثم نحيلة

مقال ديني رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

د. طارق النجومى

لا وعد ... ولا دين ... !!!

عدد الردود 0

بواسطة:

م. ايمن محمد الصابر

ايات المنافق

مقال رائع يعالج مشكلة اساسية فى مجتمعنا الحالى وهو النجاة فى الاخرة فما اصعب ان يتصف المسلم بخصلة من خصال المنافقين تورده مورد الهلاك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة