ساءنى جدا.. بل أستطيع أن أقول صدمنى وبعنف لا مثيل له، أن أسمع اللقاء الذى دار بين المستشار الخضيرى ولميس الحديدى على قناة الـ "سى بى سى".
صدمتنى يا سيادة المستشار وأنت تقول:
(والكل يشعر بالامتنان لرجال القوات المسلحة ووقوفهم معنا فى ذلك الوقت، ولم نشعر بالأمان إلا بعد يوم 28.. لذا لا أعتقد أن هناك مصرياً مخلصاً يمكن أن يطالب بحساب على ماضى هؤلاء الناس..)، فأنا أؤكد لك أنى مصرية مخلصة حتى النخاع ربما أكثر من كثيرين تعرفهم ولكنى حملت المجلس المسئولية الكاملة ومازلت أطالب بأن يدفع ثمن تقصيره.. متورطاً كان فى الأحداث أو لم يقم بدوره فى حماية البلاد منها كما كان يجب.. ولا أطالب بمحاسبته على الماضى فقط.. بل على الحاضر أيضا.. وأما أسوأ ما قلته على الإطلاق.. وهو ما لم أتوقع أن يصدر من مستشار منحته صوتى راضية وهو حتى لا يعرفنى لأنى كنت أظنه رجلا يملك قلب أسد ولا يخاف فى الحق لومة لائم ..فهو حين قلت:
(أما من تسبب فى قتل الناس فيما بعد فيجب أن يحاسب ولا أظن المجلس متورط، ويعنى.. يعنى.. ارتكب بعض الأخطاء.. حتى أن أحدهم خرج وقال رصيدنا لديكم يسمح ببعص هذه الأخطاء) ثم ابتسمت يا سيدى المستشار ضاحكا وأنت تكمل(حسنا.. ولكن لا تستهلك كل الرصيد)..
ثم تحدثت عن كيف يمكن تقنين هذا الأمر ومنع محاسبة المجلس على أى ماضى واقترحت – مشكورا- أن يتم إصدار قانون بذلك.. ويمكن أن يقوم بهذه المهمة – مشكورا أيضا- مجلس الشعب.. وأما عن اسمه عندما سألتك المذيعة فإنك طلبت منها أن تدعك تفكر فى اسم لهذا القانون..
يمكننى أن اقترح عليك اسما سيدى، لماذا لا نسميه قانون (دمك رخيص يا مصرى)؟ نعم.. اسم مناسب.. أليس هذا هو المعنى الذى يصر الجميع على أن يؤكدوه فى أذهاننا.. ويمكن أن يتم توسيعه.. فلا يطبق لحماية المجلس فقط.. بل كل من ينتمى للجيش.. فقد (عملولنا جميلة زمان وحاربوا)..ويمكن أن يطبق أيضا على الرئيس السابق- لا أعرف لماذا لم تفكر فى هذا – فقد خدمنا خدمة جليلة من قبل وقاد الضربة الجوية ولولاه لكنا نرزح تحت حكم الاحتلال..؟
من أيضا..دعونى أتذكر.. وزير الداخلية السابق (العادلى) لا أرى مانعا من حمايته كذلك.. فلابد أننا سنجد فى ملفه الكثير من الأشياء التى لابد أن نكون ممتنين لها.. وجمال مبارك.. صاحب مشروعات عملاقة قام بالعمل فيها العديدين وأنقذتهم من البطالة ألا يغفر له هذا؟
أى منطق مريض الذى تحدثت به هذا يا سيدى؟ بل كيف يمكن أن يخرج مثل هذا الحديث من فم رجل عمل فى سلك القضاء؟ لقد ذكرتنى بما كتبته يوما عن الحب بأثر رجعى وكم أكره أن أكون على حق فما قلته هو تطبيق حرفى لكل ما ذكرته وقتها فى مقالى من أننا شعب تربى على أن يحب بأثر رجعى وأن المآثر لابد أن تغفر الأخطاء..
وبما أنك رجل قضاء فلتجيبنى عن هذا السؤال المهم يا سيدى المستشار وهو يصب فى مجال تخصصك مباشرة..
لنفرض أنه تم وضع مرسوم أو قانون مثل هذا الذى اقترحته يحمى المجلس من المحاسبة على أخطائهم الماضية أو الحاضرة أو أيًّا يكن، ثم قمنا بالبحث عن المسؤولين عن الأحداث الكثيرة المتلاحقة مؤخرًا وعن نهر الدماء الذى سال.. ثم لنفرض فرضا جدلا أننا تفاجأنا فى منتصف الطريق.. أن أحد هؤلاء متورط فيها أو فى أشياء سابقة لها علاقة بها.. ماذا نفعل فى هذه المعضلة القانونية؟ هل يخرج حينها رئيس المحكمة معتذرا للشعب قائلا إن القضية ستغلق لأن هناك قانون يحمى الجانى؟ ونعتذر لمن ماتوا.. ولنقف جميعا دقيقة حداداً؟
أم يتم إلغاء القانون لمحاسبتهم؟ وماذا تكون فائدة هذا القانون إذاَ لو أنه يمكن إلغاؤه؟ أم ماذا نفعل؟ أظن أننا سنقع فى مأزق صعب فعلا..
يا سيدى المستشار الذى صدمنى فى مصر وجعلنى أتساءل من بقى لنثق فيه، أنا مواطنة فى دائرتك.. ولدى حقوق.. ومن حقى أن أطالب بدم زميل مهنتى طالب الطب الذى مات غدرا.. هو وكل من قتل مثله، ومن حقى أن أطالب بأن يدفع مبارك ونجليه وحاشيته وكل من أخطأ فى حقنا وجرائمهم بالمناسبة أكثر بكثير من سرقة مال أو موقعة جمل فقد دمرونا على مدى سنوات وأنا لا أغفر لمن حطم حلمى فى العيش الآدمى فى وطنى.. ولا أغفر لمن قتل إخوانى فى الدين وجيرانى فى الوطن.. ولن أغفر كذلك لمن كشف عورة أخت لى ولو كانت مجرمة فما بالنا بأنها ليست كذلك..
إذا كنت قادرا على العفو فهذا شأنك.. ولكن إياك أن تشكك فى إخلاصى لوطنى لأنى أطالب بالقصاص العادل وأطالب بأن يدفع كل مخطئ ثمن خطأه أيا كان موقعه على خريطة الوطن وأيا كانت مآثره السابقة.. وإياك أن تتحدث باسمى وتقول الكل ممتن لهم أنا لا أكون ممتنة أبدا لمن كذب علينا كذبا واضحا دون أن يجفل ولا أكون ممتنة لمن سحل جنوده بناتنا وقتلوا شبابنا ولا لمن بقى يحكم بلدا كاملا لمدة عام ويظل يقول بعد كل كارثة يد خفية وطرف ثالث وهراء لا يصدقه طفل فى الخامسة..
نحن لن نتنازل عن حلم أن يكون لدينا بلد.. لا سيادة فيه إلا للقانون، بلد لا أحد فيه فوق القانون.. لا أحد.. ولا حتى أنت يا سيدى.
د.شيماء عبادى تكتب: أنا مواطنة ولدى حقوق يا سيادة المستشار
الأربعاء، 11 يناير 2012 04:20 م