د. أشرف بلبع

تسليم السلطة

الأربعاء، 11 يناير 2012 03:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أخيرًا تبلور مثلث القوى فى المشهد السياسى بعد أن تجمعت القوى السياسية ذات الخلفية الدينية فى جانب، وتجمعت قوى الثورة فى جانب آخر، وكشفت قوى الثورة المضادة عن نفسها تماما، بل وسددت قبضتها القمعية.

آمنت القوى المعادية للثورة والمصطفة تحت راية الحفاظ على استقرار مؤسسة الحكم بقدرتها على التعامل المنفصل والمرحلى مع كل من القوتين الأخريين لتصفية حدث الثورة، ساعدت القوى ذات الخلفية الدينية هذا السيناريو بانعزالها وانحيازها لهدف انتقال السلطة عبر الأغلبية التى أمنتها لها الانتخابات، آمنت بقدرتها على التعامل مع قوى الثورة المضادة بنفس طويل. أهملت هذه القوى ذات الخلفية الدينية الخطورة المطلقة على ثورة لم تكتمل، ولكنها تتوقف لالتقاط ثمار مبكرة فى ظل تلاعب أجهزة ساحقة كالمؤسسة العسكرية. أهملت هذه القوى الحكمة القائلة إن الثورات التى تقف فى منتصف الطريق، إنما هى تحفر قبورها.

لم يستطع الثوار أن يلتفتوا يوما عن هذه الحكمة، وتعلقت قلوبهم بحلم استكمال أهداف الثورة فى التغيير والتطهير من أجل نهضة مصر والمصريين. لم يتوقف الثوار عن الانتفاض خوفا على أهداف ثورتهم التى أشعلوها وكان وقودها أرواحهم ودماؤهم ونور عيونهم. يشتعل الثوار غضبًا للهجوم المرحلى المنظم على ثورتهم من قبل قوى الثورة المضادة، لقد مرت هذه المراحل أولا بسحب الثورة على البارد ثم تشويه الثوار ومحاصرتهم بعد استعداء الشعب عليهم، تتمثل المرحلة الحالية فى محاولة حرق ذيول الثورة كما حدث فى محمد محمود ومجلس الوزراء للإجهاز عليها، تتوالى حلقات خنق القوى الداعمة لفكر التغيير وللثوار، فنراها بدأت بتشديد القبضة على الإعلام وضغوط على القنوات الفضائية المستقلة وتوجيه إنذارات، ولا ننسى مداهمة البعض منها وإغلاق مكتب «الجزيرة مباشر». يتم تشديد القبضة تدريجيّا على القنوات الأرضية للتليفزيون الحكومى ليرجع ثانية إلى دوره الأول فى الغسيل الموجه لمخ الشعب من أجل الهدف الأسمى دائما، ألا وهو المحافظة على نظام الحكم.

آخر حلقات قمع تيار التغيير تبدت فى مداهمة منظمات المجتمع المدنى التى تسبب صداعا فى ملفات انتهاك حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق ضحايا القمع والتعذيب وأحداث الثورة وتدعيم الممارسة الديمقراطية فى مصر، يؤمن الثوار بأن الديمقراطية هى الحل، وأنها لن تتحقق مادام احتكار السلطة قائمًا. على مر ستين عامًا فائتة دامت عقيدة أن الرئيس لابد وأن يأتى من تحت جناح المؤسسة العسكرية وبقبولها، وأنها المصدر الحقيقى للسلطة، ولو من خلف الستار. لن تتحقق ديمقراطية حقيقية فى ظل مؤسسة تؤمن بأنها فوق باقى مؤسسات الدولة وفوق اختيار الشعب الحر لرئيسه، فهذا هو الخرق الأعظم للديمقراطية. لقد قامت ثورة الشعب لكسر هذا الاحتكار وتحقيق حكم الشعب لنفسه بالاختيار الديمقراطى الحر لرئيسه.

تظن القوى ذات الخلفية الدينية أنها ستتعامل لاحقا مع هذا التهديد وتتجاهل حقيقة أن عدم تحقيق هذا الهدف فى ظرف ثورة حية يؤكد أنه لن يتحقق أبدا فى ظل ثورة يتم قتلها.

الانعزال عن القوى الثورية وتأجيل الأهداف الاستراتيجية فداءً لخطوات تكتيكية هو خطر بالغ على هدف نهضة مصر والنفاذ بها من مأزق يمسك بتلابيبها على مر ستين عاما.

تتحرك جماعة الإخوان المسلمين من خلال برنامج وضعة الأستاذ الإمام حسن البنا عند نشأة الجماعة، ويبدأ ببناء الفرد، ثم الأسرة، ثم المجتمع، ثم التمكين من الحكم، ثم الخلافة، ثم أستاذية العالم، تقدر الجماعة أنها وصلت إلى بناء مجتمع يدعمها ويعطيها الأغلبية التشريعية.

تستعد الجماعة لوضع بصمتها على السلطة التنفيذية باعتبارها صاحبة الأغلبية، ولكن هل تسمح المؤسسة العسكرية بتمكينها فعلا؟.. يثور الشك الكبير لدى الثوار بأن الجماعة تؤجل هدف كسر احتكار الحكم لحين التقدم لتحقيق هدف إقامة الخلافة التى تجمع الأمة الأكبر. نهضة مصر لن تنطلق إلا فى ظل ديمقراطية كاملة تنهى وصاية تنتقص منها. متى يمكن تحقيق هذا الهدف أمام قوة ساحقة أدمنت السيطرة على مدى ستين عاما مضت؟
هل يكفى هذه القوة خروجا آمنا مما مضى لكى تنتهى من هذا الإدمان؟ هناك مصالح هائلة تجعل استمرار هذه السيطرة ضروريا للمجلس العسكرى، أضف إلى ذلك دم شهداء ما بعد التنحى الذى تعلق برقبة هذا المجلس، ولن يتخلى عنه أصحابه، هل يفلت الثوار ظرف الثورة التاريخى لتحقيق هدف كسر احتكار الحكم وإقامة النظام الديمقراطى الكامل؟
هل ننتظر ثورة جديدة؟ وهل نقوم كل يوم بثورة لا نكملها؟





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة