عندما كتب ويليام شكسبير مسرحياته ورواياته الأشهر فى تاريخ بريطانيا والعالم الغربى كان ذلك فى القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، فإن حاولت عزيزى القارئ أو حاول أى شخص يتقن اللغة الإنجليزية من حيث أنها الأكثر انتشارا فى العالم، قراءة نص مسرحية أصلية بلغة شكسبير الإنجليزية التى كانت سائدة حين كتبها الروائى الأشهر، فلن تفهم ولن يفهم جملة واحدة كاملة من نص المسرحية أو الرواية، والسبب بسيط فاللغة الإنجليزية قد تطورت وتغيرت ألفاظها ودلالات تلك الألفاظ عبر ثلاثة قرون لدرجة أن الإنجليز أنفسهم قد لا يفهمون معظم نصوصها إن هم قرأوها الآن، فاللغة أدبية معقدة لا تمت بصلة إلى لغة العصر ويندر أن تستعمل معظم ألفاظها الآن فى بلاد الإنجليز.
وما حدث للإنجليزية حدث لكل اللغات اللاتينية، وهو ما لم يحدث للغة العربية إذ إن ألفاظ اللغة العربية الفصحى جميعها هى ذاتها الألفاظ التى ثبت القرآن الكريم منذ نزوله ألفاظها ودلالاتها ومعانيها وإعرابها واستخدامها، فهى لغة محفوظة بحفظ القرآن.
ولم نعرف لغة فى التاريخ الإنسانى بقيت على ألسنة من يستعملونها كما بقيت اللغة العربية، فعلى سبيل المثال: أين هى اللغة القبطية القديمة؟ إنها لا تجد من ينطق بها إلا فى الأديرة والكنائس والكاتدرائيات الأرثوذكسية المصرية، فبعد أن دخل الإسلام والقرآن مصر بدأ أهلها يتكلمون العربية واندثرت اللغة القبطية وتراجعت على ألسنة من كانوا يتكلمون بها وأصبحت لغة المصريين مسلمين ومسيحيين هى العربية، والتاريخ تثبت لنا أحداثه ومدوناته أن العنصر الأهم فى قوة أمة ما هو تمسكها بلغتها، ولذلك حرص (الاستعمار) على تخريب علاقة الشعوب المستعمرة بلغاتها، ففرضت الإنجليزية لغة رسمية فى الهند، وفرضت الفرنسية لغة رسمية فى الدول التى استعمرتها فرنسا فى إفريقيا، حتى إن بلدا مثل ساحل العاج يتداول اسمها فى العالم الترجمة الفرنسية لاسمها العربى (كوت ديفوار)، فلما جاء منتصف القرن العشرين وانتفضت البلاد المستعمرة وثارت ضد الاحتلال الذى جثم على صدور أهلها لعشرات السنين؛ كانت المشكلة الكبرى فى البلاد التى حررها أبناؤها هى التخلص من قيود لغة المستعمر التى علا مقامها وتخطت أهميتها لغات البلاد الأصلية.
مثلا.. كثير من أهل المغرب والجزائر وتونس من المتعلمين تعليما جامعيا لا يعرفون كيف يكتبون العربية ويتقنون اللغة الفرنسية كأنها لغتهم الأم، والمصيبة الأكبر فى بلادنا؛ فى مصر وسوريا ولبنان والمغرب العربى والخليج؛ أن الإنسان لا يعد من المثقفين إلا أن أدخل فى حديثه كلمات أجنبية(باعتبار أنه يجهل معناها بالعربية !!) والشباب الذين يسعون بعد تخرجهم من الجامعة يشترط لتعينهم فى الوظائف المتميزة ذات الأجور المرتفعة أن يتقنوا اللغات الأجنبية، وتدريس المواد العلمية فى الطب والعلوم والتجارة والإعلام؛ فى الجامعات الحكومية فى مصر لا يتم إلا بالإنجليزية أو الفرنسية، وهو ما دعا الأهل والتلاميذ إلى الاهتمام باللغات الأجنبية ضاربين عرض الحائط بلغة القرآن والأدب والشعر والرواية.. وإلا أين شعراء الأمة العربية؟ وأين أدباؤها؟ وأين قصاصوها؟ وأين متقنو لغاتها من المذيعين والإعلاميين والمتحدثين؛ المستنيرين منهم والمظلمين؟ لقد كانت عهود الملكية فى جميع الدول العربية أثرى العهود بالمواهب والكتاب والشعراء والأدباء، ونتعجب حين ننظر الآن إلى ساحة الدول العربية فلا نجد إلا آثار الاستعمار لا زالت باقية فقد رحل تاركا لنا لغته هى السائدة فى المدارس والجامعات والوظائف العليا، ولا عزاء للعربية.
إن قوة وتقدم شعب كشعب اليابان أساسها تمسكهم بلغتهم، والقوة الصاعدة المنطلقة لشعب إيران أساسها تمسكهم بلغتهم تماما كما كانت قوة بريطانيا العظمى هى أساسها تمسكهم بلغتهم، و ضعف الشعوب العربية مرجعه الأساسى هو فى المؤامرات التى حاكها الاستعمار قبل رحيله للقضاء على اللغة العربية فنشر المدارس الأجنبية ومدارس اللغات وثقافة التعامل باللغات الأجنبية، ولكن لغة فى قوة العربية صمدت فى وجه التغيير لأكثر من خمسة عشر قرنا لا يمكن أن تنطفئ جذوتها لأنها ببساطة مرتبطة بالقرآن الذى وعد الله عز وجل بحفظه حتى تقوم الساعة.
وبداية حل هذه المشكلة يكمن فى وجوب إلغاء تعليم اللغات الأجنبية فى المدارس الحكومية والخاصة قبل الحصول على الشهادة الابتدائية، كى يتشكل وعى الأطفال والناشئة على حب لغة بلادهم ويترسخ ولاؤهم وانتماؤهم لأوطانهم، ويخرج إلى الوجود جيل جديد يعتز بلغة أجداده، كى يلحقوا بركب الحضارة حاملين مشاعل لغتهم مستعيدين أمجاد الماضى مقتحمين آفاق المستقبل، والله من وراء القصد.
مجد خلف تكتب.. ليس باللغات الأجنبية وحدها ترقى الشعوب
الثلاثاء، 10 يناير 2012 07:39 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسين
ليس باللغات الاجنبية وحدها ترقى الشعوب
كلام جميل ومعقول مقدرش اقول حاجة عنه
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
مجتمع سوسو المتأمرك
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال منتصر
لغتنا الجميله