أعجبنى حديث السيدة إيمان سالم- الباحثة القانونية بمجلس الشعب- حينما قالت فى برنامج بقناة «أون تى فى» مساء الجمعة 6 يناير 2012م، إن عزل الأمين العام بمجلس الشعب «سامى مهران» وكذلك نائبه هو الحل الطبيعى لما بعد ثورة يناير 2011، وليس من المستحب أو المتصور أن تستخرج كارنيهات العضوية للنواب الجدد فى انتخابات لتكوين برلمان ما بعد الثورة، وعليها اسم نفس الأمين العام لمجلس الشعب قبل الثورة، والحقيقة أن هذا الرأى ليس رأيها وحدها، بل رأى الغالبية العظمى من العاملين فى مجلس الشعب وكذلك فى مجلس الشورى، والدليل على ذلك البلاغات التى انهالت على النائب العام طلبا للتحقيق فى فساد الأمين العام ونائبه فى كل من المجلسين، وكذلك البلاغات التى قدمت بشأن الزعم باختراق جماعات من خارج مجلس الشعب لضرب المتظاهرين وحريق المجمع العلمى وحريق مبنى الطرق والكبارى وسرقة مكاتب رئيس مجلس الشعب داخل المبنى الرئيسى، وهو غير حقيقى، الأمر الذى دعا العاملين الشرفاء لتكوين «ائتلافات العاملين بمجلس الشعب ضد الفساد».
- وقد نشرت جريدة «الشروق» فى عددها الصادر فى الأول من يناير 2012م، فى صدر صحفتها الأولى «مانشيت رئيسى»، بعنوان: «موظفو (الشعب) يتهمون مهران بالضلوع فى أحداث (الوزراء): أمين المجلس ممنوع من السفر وتجاوز السبعين ومازال فى منصبه»، والذى يقرأ التفاصيل يشعر أن مصر لم تتغير بعد الثورة، وأن نظام مبارك لا يزال يحكم بعقليته الفاسدة والمخربة، ولا يزال يصر رموز حكمه أن يستمروا ولو على جثث كل الشعب، وأيضاً ولو بحريق منشآته وتدميرها وتخريبها، كما كان يحدث قبل الثورة، وقد سبق أن أشرت إلى مسؤولية رئيسى مجلسى الشعب والشورى عن حريق البرلمان عام 2008 م، وكذلك مسؤولية الأمين العام فى المجلسين، إلا أنه لم تتم محاسبته، ونتج عن الحريق خسارة مالية وصلت إلى مليار جنيه، ومر الحدث وكأن شيئاً لم يحدث، ووضع النائب العام الملف فى «الثلاجة» لحين تلقى التعليمات إما بتحريكه أو تبريده أو حفظه، كما هو معتاد فى هذا النوع من القضايا.
وعلى هذه الخلفية من «اللا محاسبة» فى مواقف متشابهة، يتصرف رموز نظام مبارك، ومنهم الأمين العام فى مجلس الشعب، بنفس العقلية حيث يسمح للمجرمين والبلطجية حسب شهادة «ائتلاف الثوار فى البرلمان» أمام قاضى التحقيقات التى نشرتها جريدة «الشروق» فى عددها سالف الذكر، بالتحرك فى البرلمان وتكسير المطعم ونهب العيادة، وضرب المتظاهرين فى شارع قصر العينى من على أسطح مجلس الشعب «مبنى البرج أو مجمع اللجان» بالحجارة والخرطوش وغيرها وقد يصل إلى الرصاص من القناصة التى اعتلت أسطح مبانى المجلس، فهل يتصور أحد أن تتم سرقة ونهب مكتب رئيس مجلس الشعب داخل صحن المبنى الرئيسى فى وسط المجلس وليس على أطرافه؟! فكيف وصل المتظاهرون كما يزعم الأمين العام فى أحاديثه المتكررة التى تعكس عقلية أحد رموز حسنى مبارك، إلى قلب مجلس الشعب؟! ولماذا قصدوا مكتب الرئيس دون غيره من المكاتب؟! وكيف يعرفونه دون غيره من المكاتب؟! الأمر الذى يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك عقلا مدبراً من الداخل فى سير الأحداث على هذا النحو، ويؤكد العاملون فى المجلس بلاغات للنائب العام وقاضى التحقيقات، أن الأمين العام- الممنوع من السفر على ذمة تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع- هو المتهم فى هذه الأحداث وبقراءة تفاصيل بلاغهم يتضح أن تحريك الأمين العام للأحداث التى ينفيها عن نفسه، هو جزء من مسلسل الفساد فى هذه المؤسسة ومن بين موضوعاته قضية التعيينات فى هذا المجلس، حيث إن هناك أكثر من 500 موظف وعامل مؤقت تم تعيينهم بعد ثورة 25 يناير دون مبرر، وغالبيتهم باكتساح من منطقة واحدة هى السيدة زينب- دائرة المخلوع فتحى سرور- الرئيس السابق للمجلس- بحسبان أن ما يجرى هو أمور طارئة سرعان ما ستزول وترجع الأمور لطبيعتها ويعود «سرور» إلى رئاسة المجلس، على حصانه الأبيض وفى صحبته الأمين العام، وكأن البرلمان خلق لهما ولأولادهما ولأحفادهما فى مسلسل التوريث المستمر!!
وتشير التقارير المتوافرة لدينا أن أغلب من تم تعيينهم سواء قبل الثورة أو بعدها من منطقة السيدة زينب هم «البلطجية الذين كان لهم دور فى انتخابات سرور طوال عشرين عاماً وكذلك كان لهم دور فى «موقعة الجمل» المحبوس على ذمتها د. سرور حت الآن، والمتهم فيها أيضاً الأمين العام لمجلس الشعب خصوصاً، حسب البلاغات المقدمة ضده للنائب العام.
والخطير فى الأمر أن قاضى التحقيقات الذى عينه أو اختاره وزير العدل للتحقيق فى أحداث شارعى مجلس الوزراء ومحمد محمود، التقى بعدد ممن تقدموا بالبلاغ ضد الأمين العام لمجلس الشعب، بعد إلحاح منهم وذهبوا لمدة ثلاثة أيام متصلة- حسبما نشرت وكذلك حسبما توافر لى من معلومات، وكانت النتيجة تعنيف الشاكين والتطوع بإبداء رأيه فى المسألة المشكو بشأنها، ونفى التهمة الواردة فى البلاغ، وأشار إلى أن المتظاهرين هم الذين حرقوا ودمروا ونهبوا.. إلخ، وأنه ليس لأحد غيرهم أى علاقة بالموضوع!!
وقد كان هذا الرأى من قاضى التحقيق صادماً لأصحاب البلاغ ودخلوا معه فى جدال، فأنهى المقابلة معهم دون تحقيق، وقرر إحالة طلبهم أو بلاغهم إلى نيابة «السيدة زينب» للتحقيق!!
والسؤال: ماذا يفعل قاضى التحقيق إذن؟! هل جاء ليشايع رأى الحكومة التى انتدبته من خلال وزير العدل للتحقيق فيما حدث؟ وهل جاء لنفى التهم مسبقا عن المجرمين الحقيقيين الذى أشعلوا النار عمداً، ونهبوا وسرقوا، وأطلقوا الرصاص الحى على المتظاهرين؟! وهل جاء ليقول إن الشرطة العسكرية التى قامت بإطلاق النار عمداً على المتظاهرين وقتلتهم أمام كل الأعين، ليس لها علاقة بالأمر؟! ففيم وظيفته إذن أيها السادة الأفاضل؟!!
وما دام هذا قد حدث من قاضى التحقيق، فقد فشل فى مهمته من أول وهلة وفى بداية مشوار التحقيق، وعليه أن يترك هذه المهمة، لأنه أدلى برأيه أمام مقدمى البلاغ، ومن ثم لا يمكن بأى حال الاطمئنان إلى سير التحقيقات العادلة، وكذلك أطالب وزير العدل بتغييره فوراً، وإلا فإن النتيجة لن تكون فى صف العدالة مطلقاً.
فالثابت الآن هو أن القتل قد وقع، ووصل عدد الشهداء من الشباب المتظاهرين أكثر من «25» شهيداً فى شارع مجلس الوزراء، وضعف هذا العدد فى شارع محمد محمود «46» شهيداً، وعدد مماثل نحو «30» شهيداً فى أحداث ماسبيرو.
ومادام القتل قد حدث، فإن هناك مجرمين فعليين، فمن هم؟ كما أن حريق مبنى الطرق والكبارى قد حدث فعلاً، وكذلك حريق المجمع العلمى قد وقع فعلاً وأدى إلى تدمير المبنيين بشكل كامل، وإلى الدور العاشر «المطعم» تماماً، والثابت أنه تم إلقاء محتوياته على المتظاهرين من دواليت وأدوات المطعم، وتكسير البلاط.
ومن ثم فإن التحقيقات عليها أن تثبت بالدليل الدامغ من فعل ذلك، ومن دخل المبنى فى اليومين السابقين والتاليين للحدث؟ وكيف دخل هؤلاء والأبواب يستحيل اقتحامها؟! ومَن مِن العاملين الذين كانوا موجودين بالمجلس آنذاك؟! كما أن هناك «مطافى» فى داخل المجلسين «الشعب والشورى»، لماذا لم تتحرك لإطفاء الحريق الذى اندلع فى مبنى الطرق والكبارى، ومبنى المجمع العلمى، من بدايته؟! ولماذا تم ترك الحريق دون إطفاء رغم أن المطافى داخل المجلسين سرعان ما تتحرك وفى دقائق؟! وإذا كانت المطافى الموجودة على ناصية مجمع التحرير قد منعت وأغلقت أبوابها حسبما تردد والقريبة من مبنى المجمع العلمى، فلماذا لم تسارع أى مطافى أخرى من بينها مطافى مجلسى الشعب والشورى الموجودة داخل حرم المجلسين؟! وإذا كان هناك من منعها، فلماذا لم تصل طائرة إطفاء من القوات المسلحة لإنقاذ هذا الكنز التاريخى والثقافى وهو «المجمع العلمى» للحيلولة دون احتراقه؟! والمؤكد أنه لو وصلت طائرة من القوات المسلحة، لم يكن يستطيع أحد أن يمنعها بالتأكيد، فلماذا لم يتم ذلك مثلما سبق أن حدث فى حريق البرلمان عام 2008م؟!
وإننى أقول كشاهد على ما حدث؟ وبحكم عملى فى البرلمان «2005 - 2010» كنائب عن دائرة شبرا الخيمة، أن التدمير والحرائق تمت وبترتيب من داخل البيت «البرلمان» وليس من خارجه، فقد كانت اللهجة الشرسة من الشرطة العسكرية التى أهانوا فيها الشباب وحتى النواب الجدد من بينهم «زياد العليمى»، أثرها فى إخراج المتظاهرين وفض التظاهر بالقوة، والدفع بالمتظاهرين حتى وصلوا إلى شارع الشيخ ريحان وبعيداً عن شارع قصر العينى وشارع مجلس الوزراء والشعب، ومن ثم فإن إخلاء المكان من المتظاهرين أولاً، كان هو المقدمة لتحرك مجرمى الداخل للنهب والسرقة والتخريب والتدمير والإحراق العمدى، حتى يتم إلصاق ذلك بالثوار وتشويه الثورة فى إطار مسلسل إجهاض الثورة لمن يريد أن يعرف الحقائق المرة التى أنجزها المجلس العسكرى وشرطته العسكرية فى حق هذه الثورة، فهو قد زعم حمايته للثورة حتى يستولى على السلطة ثم يديرها لحسابه السياسى بعيداً عن مطالب الثورة.
وعلى أية حال، فقد أبقى المجلس العسكرى على رموز مبارك، ومنهم رجال النظام «سامى مهران» كأمين عام لمجلس الشعب بعد الثورة لتنفيد مخططاتهم كما سبق القول، وليس هذا بغريب، فقد سبق أن أشارت مضبطة مجلس الشعب رقم «68» فى 30/6/1982، إلى تورط شخصيات عديدة فى قضية رشاوى، جاء اسم «سامى مهران» من بينهم، وكان يعمل فى مكتب وزير الدولة لشؤون مجلسى الشعب والشورى!!، ألا يكفى هذا؟ وكذلك سن الرجل «77 سنة»، ولهذا حديث تفصيلى فى الأسبوع القادم، ومازال الحوار متصلاً ومستمراً..