آن الأوان أن تنتفضى يا مصر، وتواجهى عدوك الأول، بشجاعة وقوة وحزم، رداً على عدوانه الغاشم والمقصود.
آن الأوان أن تعطى الدرس لكل من لا يقدر قيمتك ويحترم مكانتك، أو يهدر كرامتك أو يعتدى على سيادتك.
آن الأوان أن تردى وتدافعى عن أبنائك المخلصين، وتأخذى حقوق شهدائك، الذين ماتوا مراراً وتكراراً على حدودك برصاص عدوانى غادر، ولم يجدوا سوى الأسف من المعتدى المتبجح.
تكرر الاعتداء الصهيونى، وكان آخره بقتل الجنود المصريين داخل الحدود المصرية، ولم تكلف إسرائيل نفسها بتقديم الاعتذار أو إجراء تحقيق فى الاعتداء المُدبر، ولم ترد مصر بسحب سفيرها من تل أبيب، رغم سقوط شهدائها داخل الحدود المصرية، وداخل حرمة وسيادة الدولة المصرية، برصاص إسرائيلى غادر ومتعمد.
فقد فرحت وحزنت - فى آن واحد- لموقف تركيا بسحب سفيرها من تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلى، وتعليق الاتفاقات العسكرية بين البلدين، عقب صدور تقرير للأمم المتحدة، يشير إلى أن إسرائيل استخدمت القوة المفرطة فى الغارة التى شنتها عام 2010 على أسطول الحرية، الذى كان يحمل معونات إنسانية إلى قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل 9 أتراك.
وبقدر سعادتى بالموقف التركى المُشرف، بقدر حزنى بالموقف المصرى المُخزى. فقد جاء رد الفعل التركى بعد صدور التقرير، الذى لم تقبل تركيا أن يمر مرور الكرام، وطالبت الدولة الصهيونية المعتدية بتقديم اعتذار رسمى، وتقديم تعويضات لأسر الشهداء الأتراك، ولكن إسرائيل تعالت وتكبرت ورفضت ذلك، مما دفع تركيا للرد بكل حزم وسرعة بطرد سفير الدولة المعتدية، وتخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل إلى مستوى السكرتير الثانى – كأنها تقول لإسرائيل هذا هو حجمك الطبيعى، وهذا هو المستوى الذى يقدمه لكى الأتراك-.
فماذا تنتظر مصر لكى تحترم دماء شهدائها، الذين يقُتلون غدراً، ولم يقترفوا ذنباً، سوى الوقوف على حدود دولتهم، دفاعاً عن حرمتها وسيادتها؟
فماذا تنتظر مصر لكى ترد حقوق الشهداء، وتلقن إسرائيل الدرس، الذى يجعلها تفكر ألف مرة، قبل أن تعتدى على المصريين، وتتعالى وتتكبر وترفض تقديم الاعتذار، وتتحايل وتمتنع عن إجراء التحقيق اللازم؟
فالإشكالية الأولى التى تضعها مصر عقبة أمام طرد السفير الإسرائيلى، وسحب السفير المصرى، هى الخوف من تأثير هذا الإجراء على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ، لأن اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية أكدت على حق كل دولة فى سحب سفيرها، وأن هذا لا يمثل قطعا للعلاقات الدبلوماسية ولا يؤثر على العلاقات القنصلية، ولكنه يمثل خفضا للعلاقات الدبلوماسية، ونصت المادة 43 من اتفاقية فيينا "أن تنتهى مهمة التمثيل الدبلوماسى – ولم تقل إنهاء العلاقات الدبلوماسية - إذا ما أخطرت الدولة المُعتمِدة، الدولة المُعتَمد لديها، بإنهاء التمثيل الدبلوماسى".
أما الإشكالية الثانية لمصر، هى الخوف من تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية بقطع المعونة عن مصر، فى حالة تعديل اتفاقية السلام أو طرد السفير الإسرائيلى، رغم أن الحكومة المصرية فى غنى عن حفنة ملايين الدولارات، التى تتحكم فى سيادتنا وقراراتنا وإرادتنا السياسية، فليست أمريكا هى التى تُدير شئون الحكم فى مصر، ولكن المجلس العسكرى المصرى هو المنوط بذلك، ولا إرادة تعلو فوق إرادة المصريين شعباً وقيادةً.
وقد فعلها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر من قبل فى منتصف الستينيات، حينما رفض البنك الدولى بزعامته الغربية إعطاء مصر قرضا لبناء السد العالى، فقام الزعيم عبد الناصر بتأميم قناة السويس، لأنه كان زعيما صادقا مع شعبه، وكان يعلم أن إيرادات قناة السويس فقط يمكنها أن تغنيه عن القروض الدولية المشروطة.
فلابد من سحب السفير المصرى من تل أبيب، ولابد من طرد السفير الإسرائيلى، وتعديل اتفاقية السلام، والامتناع عن تصدير الغاز المصرى نهائياً إليها، واستغلال الموقف التركى لإنهاء التمثيل الدبلوماسى، لحين إجراء تحقيق فورى فى الجرائم الثلاثة التى ارتكبتها إسرائيل، وهى: الأولى: اختراق الجنود الإسرائيليين للحدود المصرية، والثانية: إطلاق الرصاص الحى داخل حدود الدولة المصرية، والثالثة: قتل الجنود المصريين،،، فهل هناك عقل يُصدق أن كل هذا حدث بدون قصد.
انتفضى يا مصر بكل حزم وقوة للرد على العدوان الإسرائيلى، واستغلى الموقف التركى لرد حقوق شهدائك، ولصون كرامتك أمام العالم،،، فتركيا لم تنظر إلى الضغوط الأمريكية، وحددت موقفها لأنها صاحبة حق، ولأن دبلوماسيتها قادرة على احتواء الموقف، ولأنها صاحبة علاقات قوية مع دول أوربا، ولأن لديها اكتفاء ذاتى.
انتفضى يا مصر، فالحالة الاقتصادية الآن لن تكون أسوأ من تلك التى واجهتها مصر، عندما قام الزعيم عبد الناصر بتأميم القناة، وكانت وقتها مصر خارجة من ثورة يوليو ومن الاحتلال الإنجليزى ومن فساد الملك، ولكن إرادة القيادة السياسية والشعبية هى التى ساعدت مصر على تخطى الأزمة.
انتفضى يا مصر، لأن الإرادة الشعبية المصرية أقوى مما سبق، ولن تقبل لهذا الموقف، ولن تسكت على هذا العدوان.
انتفضى يا مصر لكى يُصدق العالم أن ثورتك حقيقية، ولكى يصدق أبناؤك أن النظام السياسى تغير، فمن العيب أن يكون الموقف المصرى بعد الثورة هو نفس الموقف قبل الثورة، وكأن شيئا لم يكن.
