لعل سيناء أخذت حظها من الإعلام على نحو غير مسبوق لما تواترت فيها وبالقرب منها أحداث استحوذت على الاهتمام الرسمى والشعبى والمحلى والدولى باعتبارها بجوار أرض تمثل لب الصراع فى الشرق الأوسط بل قضية العالم المحورية التى أنتجت حروباً متعاقبة وكونت جماعات مناهضة للاحتلال وسلاماً هزيلاً لايرقى لمستوى الطمأنينة لكافة الأطراف.
وتنوع الاهتمام بسيناء حتى أنها كانت أشبه بحقل تجارب يتم التعامل معها بنظام المحاولة والخطأ والعينة القابلة للتحليل فى مختبرات السياسة والاقتصاد وإن كان قد تم إعداد مشروع قومى لتنميتها ثم أنشئت أجهزة باسمها لتقوم على تنفيذه تسير حيناً وتتعثر أحياناً إلا أنه يبدو أن تلك المشروعات والمسميات كانت شكلية موجهة للشعب والإعلام تخفى وراءها أهدافا شخصية تقوم بالاستيلاء والتصرف فى موارد سيناء لحساب شركات خاصة وأفراداً وجدوا حماية من رأس السلطة فى ذلك الوقت فكان التضخم فى المنشآت السياحية فى الجنوب وانتزاع الأرض من أصحابها دون تعويض عادل ومنع التملك والتصرف فيها إذا حصلوا على الفتات منها فهى محرمة عليهم يتيهون فيها حلال لغيرهم ولايستقرون فيها.
ولعل رعاية الدولة المصرية لسيناء منذ عهد الفراعنة إلى اليوم يختلف باختلاف الغرض من المكان والأهداف المطلوبة منه فهى كانت نقطة انطلاق للغزوات والحروب من جانب مصر فى اتجاه الشرق وكانت وسيلة احتلال لمصر من ذات الاتجاه حيث اتخذت الجيوش من ممراتها ووديانها مسارات للمرور وتجهيز الثكنات للدفاع والهجوم مما أعطاها الأهمية الإستراتيجية.
وبعيداً عن تلك النظرية والسرد التاريخى لأهميتها فإن سيناء تظل فى حالة تحد مع الواقع تطلب حق العودة إلى الوطن الأم عوداً كاملاً غير منقوص لأن القضية والمسألة فيها تحمل بعدين البعد الأمنى، والذى يجب ألا يكون عائقاً أمام البعد الثانى وهو التنمية.
ونظراً لكثرة الحوادث التى كانت مدعاة إلى جذب الاهتمام بها نحاول أن نستعرض تعاقب الهيئات والأجهزة التى توالت على سيناء حتى لانقع فى تكرار مالاينفع ولايفيد من الخروج بعد كل حادثة بمسمى لتنمية سيناء أو إدارة شئونها على نحو يعالج ملابسات وظروف الحوادث التى تقع فيها دون أن يكون هناك إستراتيجية منقذة وهادفة تعمل على تحقيق البعدين الأمنى والتنموى، ومن هذه الهيئات التى تعاقبت عليها مايلى:
• هيئة تعمير الصحارى التى أنشئت فى الخمسينيات من القرن الماضى وكان هدفها الأساسى تنفيذ بعض المشروعات لاستصلاح الأراضى وإعداد الأبحاث والدراسات وعمل المسح الطبوغرافى وكانت فكرة نقل مياه النيل من بحيرة السد العالى التى تكونت عند البدء فى تنفيذه فى عام 1963م ثم اتجهت إلى باقى الصحراء المصرية وخاصة سيناء إلا أن احتلالها لم يمكن الهيئة من البدء واستكمال بعض المشروعات.
• جهاز تعمير سيناء وهو تابع لوزارة الإسكان وتم إنشاؤه بعد تحريرها وكان من مهامه ربط سيناء بالوطن الأم ودعمها لتكون خط الدفاع الشرقى عن مصر وزيادة نسبة السكان إلى ثلاثة ملايين نسمة حتى عام 2017م فتم رصد الموازنات الخاصة بالجهاز لتنفيذ كافة أعمال البنية الأساية والخدمات التى تستوعب تلك الأهداف ومازال الجهاز يعمل إلا أن مهامه تقلصت نتيجة توزيع بعض الاختصاصات والمخصصات على أجهزة أخرى.
• جهاز تنمية شمال سيناء وتم إنشاؤه فى بداية التسعينيات من القرن الماضى لخدمة400 ألف فدان على مسار ترعة السلام والشيخ جابر من خلال أعمال البنية الأساسية للرى، وكذا التصرف فى الأراضى ويتبع وزارة الرى وكان يتمتع بآلية تحقق الأهداف التى أنشئ من أجلها إلا أنه تم تقليصه إلى قطاع الموارد المائية والرى بشمال سيناء.
• الشركة القابضة لتنمية سيناء ولم تستكمل عامين من إنشائها حتى صدر القرار الجمهورى رقم 372 لسنة2006 القاضى بإلغائها وتوزيع اختصاصها على هيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة للتصرف فى الأراضى وإلى قطاع الموارد المائية والرى بشمال سيناء لأعمال البنية الأساسية، مما أوجد تضارباً وعدم تنسيق للسير فى المشروع على النحو المطلوب.
• لجنة تنمية سيناء والجهاز الوطنى لتنمية سيناء وصندوق لتنمية سيناء وهى مسميات نشأت بعد عام 2008م وحتى عام 2011م ولم تقم بإجراءات عملية على أرض الواقع حتى قامت الثورة وعمت الفوضى وأصبحت البلاد فى حالة ارتباك واختفت أولويات حتى كانت حوادث سيناء الداخلية ومعها حوادث الحدود الشرقية عند إيلات وصحراء النقب فكانت لافتة للأنظار مما حدا بمجلس الوزراء أن اجتمع للموافقة على إنشاء هيئة عليا لتنمية سيناء تصدر بقانون خاص ويكون لها موازنة مستقلة ويكون رئيسها بدرجة نائب رئيس الوزراء وتحت إشراف رئيس الوزراء.
وكل هذا أمر جيد غير أن التخوف من أن تكون تلك الهيئة كسابقتها وتتشبع بجهاز إدارى على حساب الأهداف الفنية التى تعمل على تنمية شبه الجزيرة بتخطيط سليم ومدروس بعناية ويحدد له جدولا زمنيا وآلية تنفيذ وأولويات يمكن أن نذكر بعضاً منها:
• الاستفادة من الأجهزة العاملة كجهاز تعمير سيناء التابع للإسكان وجهاز تنمية شمال سيناء التابع لوزارة الرى ليكونا ذراعاً تنفيذياً وتسند إليهما الأعمال لسابق خبرتهما دون تحمل أعباء إلحاق عمالة بالهيئة المقترحة على أن تكون الموازنات للمشروعات التى يختص بتنفيذها رقماً فى موازنة الهيئة المقترحة مع تمثيل الجهات المعنية بخبراء منها بصفاتهم كخبراء فى الزراعة والثروة السمكية والصناعة والاستثمار والنقل والإسكان وغيرها.
• القيام على التخطيط لإنشاء قرى تعاونية منتجة تساعد على التوطين تبدأ من شرق قناة السويس وبمحاذاتها بعدد تقريبى من 25 إلى 50 قرية تتوزع بطول 250كم شمالاً وجنوباً وتبعد عن مثيلتها بطول 25كم فى اتجاه الشرق حتى حدودنا الشرقية مع مراعاة الطبيعة الجغرافية والبيئية فيتكون بذلك لدينا عدد 200 قرية فى كل قرية من 50 إلى 100 منزل قابل للنمو الطبيعى مع الوقت تكون بمثابة نقاط حصينة تساعد على التنمية البشرية.
• نقل ميناء العريش التجارى إلى شرق المدينة بدلاً من موقعة الحالى وسط المدينة والذى لايتسع للتوسعات المستقبلية حيث إنه كان ميناء للصيد مع ربطة بخط سكة حديد وطريق حر مع منطقة الصناعات الثقيلة، إضافة إلى توسيع ميناء نويبع وميناء الصيد بالطور للاستفادة من المسطحات المائية.
• إنشاء منطقة تجارية حرة مع قطاع غزة فى رفح للحد من أعمال التهريب عبر الأنفاق وتتم بضوابط معينة لتسهيل التبادل التجارى والخدمى مع إنشاء مناطق حرة ذات طبيعة خاصة فى مناطق أخرى من شبة الجزيرة.
• أن تقوم الهيئة على خدمة المستثمر وتحديد مناطق الاستثمار واستغلال الموارد بنظام الشباك الواحد وإجراءات سريعة مع الحفاظ على التنمية المستدامة وحق الأجيال اللاحقة فى تلك الموارد.
• العمل على تكوين منتج سياحى متنوع حسب الطبيعة والبيئات المختلفة فى شبه الجزيرة وتسويقها عالمياً والاستفادة من المجتمع المحلى ومنظماته الأهلية فى إدارة بعض المشروعات والاستثمار فيها.
• الاستفادة من أبناء سيناء فى مساعدة الهيئة على أداء مهامها باستقطاب الخبرات وأصحاب الرأى والفكر ويمكن أن يتم إنشاء وحدات ومعسكرات تدريب للشباب منهم لحماية مشروعات الهيئة والمنشآت القائمة وبإشراف من القوات المسلحة للمشاركة فى المسئولية.
• إنشاء مكاتب إدارية للهيئة بكل مركز إدارى فى محافظتى سيناء تتولى أعمال التنسيق مع الجهات فى المجالات الخدمية والتنموية وتكون بوابة للمواطنين.
• إعادة تأهيل مشروع ترعة سيناء أسفل قناة السويس عند منطقة سرابيوم وميت أبو الكوم الجديدة فى الشرق ليكون نواة لترعة تخدم وسط سيناء مع سرعة الانتهاء من مشروع ترعة الشيخ جابر (منطقتى رابعة وبئرالعبد) والتصرف فى الأراضى بمايحقق البعد الاجتماعى وإعطاء أولوية لوضع اليد الهادئ المستقر.
• توحيد التشريعات والقوانين والقرارات الخاصة بسيناء وإعادة ضبطها لتلافى تضاربها وإدراجها فى ملزمة واحدة لتكون مرجعاً وحجية للكافة وتكون أداة تنفيذها الهيئة المقترحة.
وغير ذلك كثير من مقترحات قد تكون مقبولة ولها فى التنفيذ على أرض الواقع سبيل أو تكون طموحات للمستقبل يخطط لها من الآن هذا إذا كان القصد من إنشاء الهيئة تحقيق البعد التنموى لسيناء أما البعد الأمنى فله شأن آخر وللحديث فيه بقية إن شاء الله تعالى.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أشرف العناني
رائع
مقال رائع
أحييك
أشرف العناني
عدد الردود 0
بواسطة:
سيناوى
حتى انت يا حاج سلامة
عدد الردود 0
بواسطة:
hamada
>>>>>>>>>
عدد الردود 0
بواسطة:
شاب مصري
كلام جميل وسمعناه كتير
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد سالم
سيناء صندوق من الذهب
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالله حمدان
سيناء الغاليه
عدد الردود 0
بواسطة:
abodeeb
اصلاح ما افسده الاخرون
كن عزيزا واياك ان تنحنى مهما كان الامر ضروريا