عاد الحزب الوطنى المنحل. أربعة أحزاب حتى الآن، وضيوف الفضائيات فى شهر رمضان، معروف عن بعضها هجومه الشرس على المعارضة، والبعض الآخر تبريره الناعم المتلبس بثياب التحليل العلمى لسياسات النظام السابق، وفريق ثالث لديه العلاقات الناعمة مع الدولة وأجهزتها. وما تفعله الفضائيات له مردود على أرض الواقع، فلم تخل حركة المحافظين الآخيرة من وجوه معروفة فى الحزب الوطنى، ويتبوأ مواقع وزارية وإدارية عليا من كان عضوًا فى لجنة السياسات الشهيرة.
هؤلاء عادوا مستغلين أخطاء الثورة، ومرتدين عباءتها رافعين شعارات نقد الذات والاستقرار. الكل ينشد الاستقرار، وهى كلمة لها وقع السحر عند الناس، ومبارك حكم مصر ثلاثين عامًا تحت لافتة «الاستقرار»، لكنه كان استقرارًا أقرب إلى الجمود والتقلص.. وسوف تأتى الانتخابات البرلمانية القادمة ويحصل أعضاء سابقون فى الحزب الوطنى على مقاعد ليست بقليلة، ونصبح أمام مشهد قديم جديد، يكون فيه التنافس محصورًا بين الكتلة الممثلة سابقًا للحزب الوطنى بمصالحها المالية، وارتباطاتها العائلية، وربما علاقاتها مع جهاز الدولة، وبين الكتلة الإسلامية على تنوعها واتساعها، ويضيع فى مناخ الاستقطاب بين الفريقين الكتلة الليبرالية الجديدة.
هناك أخطاء للثورة تسمح للقوارض بأن تتغذى عليها. ثلاثة أسباب تجعل ما كان يُطلق عليه الحزب الوطنى فى السابق يعود إلى الساحة.
السبب الأول افتقار الشباب للبوصلة، لا يعرف الفرق بين لحظة ثورية عاشها ومرحلة انتقالية لبناء أسس نظام جديد. بعض هؤلاء الشباب يتحرك برعونة أحيانًا، ولا يحلل موازين القوى على أرض الواقع. تضحيات، وجرأة هؤلاء الشباب محل تقدير واحترام، ولكن اندفاعه كان سببًا فى الهجوم على الثورة ذاتها. مثلما حدث فى ميدانى العباسية والتحرير لاحقًا.
السبب الثانى هو وجود نخبة سياسية تفتقر إلى التكوين السياسى الحقيقى، ما أن سقط النظام، وقبل مرور شهر دب الخلاف فى صفوفها، والعنوان الأكبر له الخلاف بين الإسلاميين وغيرهم من القوى السياسية. مرة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وثانية فى الخلاف حول الدستور أولاً، وثالثة فى المبادئ الحاكمة للدستور، والتى سماها البعض بالمواد فوق الدستورية. النخبة تتراشق فى الفضائيات، ولا تدرى حياة الناس، ومعاناة المجتمع، وكفر كثير منهم بالثورة التى زادت وضعهم سوءًا.
يُتهم الإخوان المسلمون والسلفيون وغيرهم من الإسلاميين بأنهم يعملون فى الشارع، وعيونهم على السلطة.. وهل هم قالوا غير ذلك؟ وإذا كانوا يعملون، فلماذا لا يعمل غيرهم؟ وأين الأصوات التى كانت تزعق ليلاً ونهارًا فى عهد مبارك بأنهم لا يتمتعون بفرص للحركة، لماذا لا يتحركون الآن؟ المشكلة الحقيقية أن التيارات الليبرالية واليسارية لم تصل لمرحلة العمل الجماهيرى، ولم تطور خطابات للوصول لرجل الشارع، فالمسألة ليست فضائيات، لكنها جهد متراكم فى الشارع.
السبب الثالث أن هناك وجوهًا تسبب فزعًا للمجتمع فى قلب التيار الإسلامى، الحديث عن تغيير الحياة فى مصر من الشواطئ إلى الشوارع إلى البنوك إلى أوضاع غير المسلمين إلى المرأة، إلخ يسبب ردة فعل سلبية عند قطاعات عريضة من المجتمع المصرى تريد التدين المعتدل، لكنها لا ترغب فى أن ترى الأرض تميد من تحتها، والمجتمع يتغير شكلاً ومضمونًا.. ونسمع من يقول الآن «الماضى كان أفضل».
ثلاثة أسباب تعجل بعودة ما كان يُطلق عليه الحزب الوطنى سابقًا. الثورة لم تتجذر فى المجتمع، وكل ما يهم الناس لقمة العيش التى أصبحت مهددة أكثر من ذى قبل، والحياة النظيفة التى تؤرقها تلال القمامة والمخلفات فى أرقى الشوارع، وحالة التسيب المرورى، فضلاً على ضعف التواجد الأمنى.
الخروج من الفوضى يبرر كل شىء، بما فى ذلك الاستبداد بشتى أنواعه، فما بالك بالحزب الوطنى الـمُنحل؟
عدد الردود 0
بواسطة:
د. تامر
مزهقتوش
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدهيكل
مصر الجيدة بين فلول الطنى ومطرقة الاخوان
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد بخيت
انا مصري
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم
القوة قوة الشعب