قبل أن نُلقى اللوم والاتهامات بالتقصير على الحكومات الحالية والسابقة لعدم استطاعتهم جميعاً إيجاد حلول جذرية لمشكلة القمامة فى مصر، علينا أن نلقى نظرة أولاً إلى (كيس الزبالة) فى منازلنا قبل إلقاءه بعرض الشارع لنتأكيد أننا مُسرفين جداً فى استهلاكنا، وعندئذ سنكتشف أنه ليس غريباً أن نجد هذه التلال الهضبية من القمامة فى شوارعنا، فجزء كبير من الكيس يحتوى على ورق جرائد ومجلات أو ورق أبيض نأكل عليه فوق السفرة أو فوق الطبلية، فى حين أننا نملُك إمكانية أن نأكل على مفرش المائدة الجلدى ثم ننظفه، ثم نُعيد استخدامه، وهكذا!!
وجزء آخر من نفس الكيس يحتوى على فاكهة أو خضروات عُطبت وهى فى الثلاجة، أشتريناها بدون حاجة إليها، لأننا نشترى أكثر من حاجتنا وربما أكثر من طاقتنا!!
وجزء ثالث يحتوى على طعام أو شراب حامض، أو خُبز عفن، ناهيك عن ما بداخل الكيس من فضلات ليست بالفضلات!!
وإن كُنا قد أرجأنا توجيه اللوم على الحكومة فى أول الأمر، فلا ينبغى لنا أن نعفيها من مسئوليتها التامة فى رفع هذه التلال الهضبية من القمامة فى شوارع وميادين مصر، ولا ينبغى لنا أن نلتمس لها عذراً فى توحش هذه المشكلة إلى هذا الحد، فما يجب أن يكون هو ضرورة أمتلاكها للأليات المناسبة لحل أى مشكلة حتى وإن كان أساسها المواطن كمشكلة القمامة، فمن الطبيعى جداً أن يكون المواطن هو السبب والنتيجة لأى مشاكل يعانيها المجتمع !!
وأنى إذ أرى أن حل مشكلة القمامة فى مصر يحتاج إلى تفعيل كل أو بعض ما هو آت :ـ
1- تغيير نمط أستهلاك المواطنين وترشيد إستهلاكهم الزائد بلا حدود.
2- أن تسود الثقافة الألمانية فى هذا الشأن بيننا، وهى الثقافة التى جعلت الوعى العام الألمانى يحول القمامة إلى ثروة تدر أموالاً طائلة، بعد أن مثلت القمامة لديهم عبئاً مجتمعياً لا يُطاق، ومصدر أساسى من مصادر تلوث البيئة، ومصدر رئيسى للأمراض، فاختارت ألمانيا الاستفادة من المخلفات والمهملات بطريقة الصناديق الأربعة الملونة !! وهى عبارة عن تقسيم القمامة إلى أقسام - كل قسم له صندوق ذا لون مُميز فالأزرق للمخلفات والمُهملات من الأوراق والكرتون، والأصفر للعبوات الزجاجية والمعدنية الفارغة، والأخضر لفضلات الطعام العضوية وبقايا الفواكة والخضروات .. وهكذا.
3- اشتراك المصانع المنتجة لجميع المواد التى يستهلكها المواطن فى الحل، فإذا كان المكون الرئيسى للقمامة فى مصر - بخلاف بقايا الأطعمة - هى "الكرتون" الحافظ لأى سلعة استهلاكية بحجميه الصغير والكبير، وهى زجاجات المياه الغازية الفارغة بمختلف أحجامها، وهى زجاجات الزيت والخل والطحينة والعصائر وغيرها، وكراتين الأجهزة الكهربائية وماشابه ذلك من عبوات بلاستيكية أو زجاجية أو كرتونية، فلماذا لا تُعيد المصانع التفكير فى شكل وحجم العبوات الحافظة للسلع المُستهلكة من شاى وسكر ودقيق ومواد غازية وزيت وعصائر وأدوات كتابية وهدايا وألبان وملابس جاهزة وأجهزة كهربائية بشكل يساعد على تقليل المُهمل منها بعد أستخدامها؟!
وإذا لم تُقم هذه الشركات بهذا أو ذاك من تلقاء نفسها، فهل نحن فى حاجة إلى سن القوانين واللوائح المُلزمة للمصانع لتغيير شكل وحجم عبواتها الحافظة للسلع الاستهلاكية ومن ثم تقليل الفائض منها الذى هو المُسبب الأول لتوحش مشكلة القمامة ؟!
4- العمل الجاد والدؤوب لجذب أستثمارات محلية وأجنبية لإنشاء شركات لتدوير المخلفات الصلبة والزراعية والجافة، تُتيح فرص عمل لشباب عاطل، وتُعيد تدوير وتشكيل تلك التلال من القمامة بشكل يُفيد حركة الصناعة وحركة التجارة، ناهينا عن ما ستُحققه من توفير بيئة نظيفة طالما أملناها !!
ويبقى تغيير نمط استهلاك المواطن المصرى وترشيد استهلاكه المُفرط هو المُساعد بشكل أساسى ورئيسى فى حلحلة مشكلة القمامة،،
فهيا بنا نبدأ.
سعيد سالم يكتب: تلال القمامة وترشيد الاستهلاك
الإثنين، 05 سبتمبر 2011 08:37 م
صورة أرشيفية