سحر الصيدلى تكتب: العم أحمد

الإثنين، 05 سبتمبر 2011 05:09 م
سحر الصيدلى تكتب: العم أحمد صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما سأكتبه فى قصتى هو جزء من رواية صديقتى، أحببت أن أسلط عليها الضوء لتشكر الإنسان الذى كان منارة ساطعة فى الحب والعطاء والتضحية. قالت: تزوج والدى أمى بعد قصة حب دامت عامين.. وكانا خلالها فى أسعد لحظات عمرهما.. كان الحب يعصف بهما والسعادة ترفرف على حياتهما.. حتى أُطلق عليهما العاشق والمعشوق.. كانا روحاً واحدة وجسداً واحداً لا يفترقان أبداً.

أنجبتنى أمى بعد ثلاث سنوات من الزواج لذا كنت الطفلة المدللة فى العائلة بأكملها.. فجدى يحيطنى بحبه وكرمه.. وجدتى تصحبنى معها فى مشاويرها القليلة.. أما أمى فهى العطف والحب والصدر الحنون الذى يمنحنى الدفء والأمان.. فى الصباح أذهب إلى مدرستى وأنا محملة بكل ما لذًَّ وطاب ثم تمد يدها إلى جيب والدى لتعطنى مصروفى الدائم.. وكان أبى يبتسم بحنانٍ فائق ويقول لها: كفاك دلعاً لهذه الطفلة.

استمرت حياتنا على هذا النهج الجميل إلى أن بلغت الثالثة عشرة من عمرى، بعدها بقليل توفيت والدتى عندها فقدت كل شىء ولم يبق لى سوى الآلام والذكريات، ولم يعد الحنان يعرف طريقه إلى ولكن والدى عملَ جاهداً ليعوضنى عن فقدان أمى.. وبت مسؤوليته التى حاول أن يتحملها ويخلص لها.. كان يتردد على منزلنا العم أحمد، وهو الصديق الصدوق لوالدى كان زميله من أثناء الدراسة وكان توأم روحه فقد ساعده مالياً عند زواجه من والدتى.. هو دمث الأخلاق حسن المعشر طيّب القلب معطاء فى كل شىء وقف لجانب والدى فى محنته أثناء موت والدتى فكان ملاذَ والدى فى وحدته.. يتردد إلى منزلنا باستمرار ويتبادل مع أبى الأحاديث المختلفة وتقريباً لا يمرُّ أى يومٍ دون أنْ يكونَ متواجداً فيه.. ويسألَ عنى باستمرار ويجالسنى ويتحدث معى بمعظم الأمور ويقول لى أنا مثل والدك تماماً فلا تترددى فى طلبِ أى شيء تحتاجينه.. ويخصُّنى بأجملِ الهدايا الفاخرة.

أثناءَ وحدتى أشعر بحاجةٍ ملحة لأذرفَ الدمعَ على أمّى التى اشتقت إليها كثيراً فإذا لمح دموعى العم أحمد يطبطب على مواسياً ويشحننى بجرعاتِ الأملِ المتتالية حتى بدأت أستعيدُ سعادتى وثقتى بنفسى وأصبحتُ جزءاً هاماً فى حياة الاثنين معا ًكنا لا نفارق بعضنا البعض نذهب معاً إلى الأهل والأصدقاء، إلى المطاعم، إلى الحدائق أصبحوا كل حياتى ولن يبعدنى عنهم أى شىء جاءت عمتى تزورنا.. وجرت أحاديث مختلفة.. بعد برهة طلبت منى مغادرة الغرفة لأنها ستتكلم كلاما غير مسموح للأطفال أن يسمعوه.. صمت برهة ثم امتثلت للأمر.. إلا أن حشرية الطفل تظلُّ ملازمةً له.. أنصت بهدوء لما يدور بينهما، سمعتها تقول.. لقد وجدت عروساً مناسبة لك بكل شىء وأتمنى أن تفكر بمصلحتك ومصلحة ابنتك فهى ستحمل عنك عبء البيت وعبء حنان وتتفرغ أنت لعملك وحياتك.. بعد جدالٍ طويل.. وافق والدى، وتمَّ ما أرادت عمتى دخلت زوجة أبى المنزل.. قالوا لى هذه أمك.. سكت.. لم انبث بأى كلمة.. هززت رأسى بالموافقة.. فى اليوم التالى رأيتها ترفع صورة أمى عن الحائط وتضع بدلاً عنها لوحةً اختارتها هى.. هذه أمى.. أمى.. ردت ببرود لكنها ماتت ...ولم يبق منها إلا الذكرى فاستمتعى بهذه الذكرى لوحدك.. تناولت الصورة ودموعى تنحدر كشلالٍ غزير.. عاهدت أمى بأننى سأرد صورتها إلى مكانها.. رويت لأبى ما حدث.. اشتكيت وبكيت.. مسح عينى بدفءٍ وحنان، ثم قال ضعى الصورة فى غرفتك وبهذا تكون أمك قريبة منك دائما.. هرعت إلى بيت العم أحمد وشكوت له همى وحزنى.. هدأ من روعى وأثلج قلبى بكلماتٍ ردَّتْ لى روحى.. وطلب منى ألا أفكر بشىء سوى بدراستى لأنها هى التى ستمنحنى القوة والعزيمة لمجابهة الحياة وهكذا مرت السنين تحملت العذاب والظلم من امرأةِ أبى دون أن انبث بكلمة واحدة لأن والدى أصبح فى البيت لا حول ولا قوة.. مصاريف إخوتى زادت، وطلباتهم لا ترحم، فهَرِمَ المسكين قبل أوانه، لذا يلجأ للعم أحمد لينسى همه ويلعب معه برتية طاولة ترفع عنه الهمّ ولو قليلاً وأنا أيضاً، كل يوم بعد خروجى من كليتى اتجه لمنزل العم أحمد لأروى له ما حدث معى طوال اليوم لأنه كان الناصح الأمين والأب الرؤوف الذى لا ينسى هدية ابنته فى كل مناسبة.أقول له دائماً أنت أبى الثانى الذى لا أستطيع الاستغناء عنه.. وحده يشعرنى بالأمان وبأنَّ الحياة جميلة وستفتح لى ذراعيها قريباَ إنْ شاءَ الله..

يقول متى سأفرح بك لقد ملئت حياتى بهجةً وسرور.. صحيح أننى أصغرُ من والدكِ بسنواتٍ قليلة إلا أننى لو تزوجت لكان بكنفى ابنة قريبة من عمرك.. كنا نضحك ونضحك معاً حتى باتَ هذا العم مهماً فى حياتى أنهيت دراستى الجامعية بامتياز وتفوق .. أقامت الجامعة حفلا لتسليم الشهادات للطلاب.. حضر جميع الآباء والأمهات لمشاركة أبنائهم فرحة تخرجهم.. إلا أنا.. تلفت يميناً وشمالاً.. لا والدى ولا زوجته ولا إخوتى لا أحدَ يهتم لأمرى.. ذَرفتْ عينى الدموع وحََّز فى نفسى ما آلتْ إليه حالى بعد رحيل أمى.. أين أنت يا أمى لقد حققت حلمك الذى تمنيته والآن سأستلم شهادتى وتفخرين بى.. اشتقت إليك كثيرًا ولكننى وحيدة.. وحيدة يا أمى.. من بعيد يدٌ تلوح لى.. من يكون.. اقتربَ منى.. آه إنَّهُ العم أحمد أتى ليحضر تخرجى.. إنَّهُ يحبّنى كثيراً وله أفضالٌ جَمّى على.. سأردُ معروفكَ يا عمى.. فأنت الباقى لى.. هَرعتُ نَحوهُ وأنا أشعر للمرةِ الأولى بسعادةٍ كبيرةٍ تغمرنى.. لقد تذكر تخرجى.. يا لهُ منْ إنسانٍ طيب القلب معطاء محب للآخرين هنأنى متمنياً لى حياة جديدة مليئة بالسعادة، ثم ناولنى هدية نجاحى ووجهه مشرق بالتفاؤل.

تمشينا معا إلى أن وصلنا منزله دعانى إلى الغداء بمناسبة نجاحى.. وأنا لبيت دعوته بكل سرور.. تحدثنا فى طموحاتى وفى مستقبلى وأشياء كثيرة.. أسعدنى كلامه.. أسعدنى لطفه سألته لماذا لم تتزوج يا عم أحمد.. قال لم أجد فتاة أحلامى.. لم أجد الفتاة التى كانت تتوق إليها نفسى ولكنى الآن.. الآن.. ماذا يا عم أحمد.. اسمعى يا حنان.. أقدر فارق العمر بينى وبينك وأنَّ قطار عمركِ يمضى بكِ إلى الأمام وقطارى يمكثُ فى كل محطة برهة من الزمن ولكن ليستمتع بالمناظر الجميلة والشمس المشرقة ويتفيأ بظلّ شجرها.. أنا.. أنا.. أحبك يا حنان وأتمنى أنْ أقضى بقية حياتى معك.. ذهلت لا أعرف هل من الفرحة أم من الدهشة أم من ماذا.. خرجت مسرعة مشيت ومشيت ولا أعرف إلى أين قدماى تريد الرحيل.. فكرت وفكرت وجدت قدماى تعيدنى إليه فأنا فعلاً أحبه ولا أستطيع البعاد عنه.. فهو الزوج الذى سيسعدنى والذى سيكون لى حبيب وأب وأخ وكلَّ شىء.. أحبك.. أحبك يا عم أحمد سأمكث معك فى كل محطة وأعيش بقربك لحظة بلحظة ولا يفرقنا سوى إرادة الله صحيح سأجد معارضات كثيرة من والدى وإخوتى وأصدقائى إلا أننى لن أجد رَغَدَ العيشِ إلا معك ولن أجد الأمان إلا بقربك ولن أجد الحب إلا فى قلبك.. فأنا لك ومعك وسأتحدى الجميع لأذوب بين يديك.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة