نسى هواة الاعتصام من المصريين أن يقوموا بعمل وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء بسبب موجة الحر الشديدة التى شهدناها الأيام الماضية، مطالبين الحكومة بمايوه وبلاج لكل مواطن لكسر حدة الحرارة القاتلة نتيجة الرطوبة العالية، لاسيما أن الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية فى مصر قد أصبحت "موضة جديدة" لم نكن نراها من قبل بهذه الصورة الفجة، والسؤال هل استيقظ هؤلاء الناس فجأة من سباتهم؟ وأين كانوا من قبل؟ وهل هذا هو الأسلوب اللائق للمطالبة بشىء حتى لو كان "حق ضائع" فى مثل هذه الظروف التى تمر بها البلاد؟.
أنا لست ضد الاعتصامات ولا الوقفات الاحتجاجية بل أنا معها وأؤيدها ولكن بشروط: أولها استنفاد كافة السبل الودية فى المطالبة بالحقوق الشرعية وفى موضوعات حيوية وهامة ومصيرية، فقد أصبحنا نرى أن كل من يعترض على أمر من الأمور، مهما بلغت تفاهته، يعتصم إما فى ميدان التحرير أو أمام مجلس الوزراء أو أمام ماسبيرو وهو شىء مضحك بصراحة وياليت الأمر يقف عند هذا الحد فقط بل قد يتعدى الأمر إلى أكثر من ذلك فيصل إلى التخريب وإثارة البلبلة والفتن والقلائل التى ليست فى صالح مصرنا الحبيبة فى هذه المرحلة الانتقالية الحرجة التى تحدد ملامح مستقبل مصر القادم، فهناك قنوات شرعية يمكن التوجه إليها والمطالبة بالحقوق المشروعة من خلالها، لاسيما أن الثورة قد خلقت نوع من الاهتمام النسبى لدى كثير من المسئولين بمطالب وشكاوى المواطنين ومحاولة إيجاد الحلول لها وهو شىء إيجابى يحسب للثورة، فقد كان فى السابق لا مجيب لمطالبنا بل كنا لا نجد من يستمع حتى إلى شكوانا وكأننا كنا "نؤذن فى مالطة" أو "ننفخ فى قربة مقطوعة"، وهى أمثال خرجت من المصريين نتيجة المعاناة والذل والقهر الذى كانوا يعيشونه إبان العصر البائد.
أنا أعلم وأعى جيدا أن هناك حقوقا ضائعة ومسلوبة من المواطنين لابد أن تعود إليهم ولكن فى نفس الوقت علينا أن نتفهم ونكون منطقيين أن الحكومة لا تملك عصا سحرية للاستجابة لكل هذه الطلبات فى وقت قصير بل فى مرحلة انتقالية تتطلب تضافر الجهود والصبر قليلا حتى تنهض مصر من جديد، وليكن شعارنا فى المرحلة الجديدة والذى لن نحيد عنه "لا يضيع حق وراءه مطالب"، فلنحاول مرات ومرات المطالبة بحقوقنا ولنطرق كل الأبواب، فمن غير المعقول أن تكون جميع الأبواب مغلقة. إن الأساليب الجديدة التى نراها اليوم من بعض الفئات والتى تؤثر على حركة المجتمع بالسلب للضغط على الحكومة هو أمر غير مقبول بالمرة، وآخرها إضراب سائقى القطارات عن العمل للمطالبة بزيادة الحوافز ليخلقوا حالة من الضغط على الحكومة للاستجابة لطلباتهم، فقد رأيت زحاما أشبه بيوم الحشر فى محطة مصر يوم هذا الإضراب، هذا هو المشهد الذى سيطر على الأرصفة والساحات بعد الزحام الرهيب من المواطنين بسبب الشلل التام لحركة القطارات.
والغريب أن سائقى الميكروباص أيضا قاموا باستغلال الموقف عن طريق زيادة ومضاعفة الأسعار التى وصلت إلى 75 جنيها للإسكندرية، و25 جنيها للمحلة الكبرى مطبقين المثل السىء "مصائب قوم عند قوم فوائد" حتى إن ردود الفعل كانت غاضبة من جانب المواطنين والمسافرين، بسبب تعطيل مصالحهم والتكدس الشديد بسبب وقف حركة القطارات إلى درجة أن عددا كبيرا منهم طالب بتحويل السائقين المضربين إلى تحقيقات عاجلة.
إن ما يحدث من مطالب فئوية بهذه الصورة ليس من الشهامة المصرية التى نشتهر بها وحدنا على مستوى العالم العربى والتى أصبحت بكل الأسف والأسى تتلاشى شيئا فشيئا ويوما بعد يوم، لقد هتف سائقو القطارات أثناء اعتصامهم "بالروح بالدم رزق عيالنا أهم" اعتراضا على رفض الهيئة صرف بعض المستحقات المالية لهم، وأقول لهم إن كان رزق أبنائكم متوقفا على الهيئة فهذا نقص إيمان فالرزق فى السماء والرزاق هو الله وأبنائكم لن يرضيهم أن يحصلوا على رزقهم بهذه الصورة التى أضرت بإخوان لكم منهم المريض ومنهم صاحب الحاجة، فالحصول على الحق يجب أن يكون بلا ضرر ولا ضرار.
إن حديثى ليس موجها لسائقى القطارات بعينهم ولكن لكل الفئات التى قد تتسبب فى إلحاق الضرر بإخوانهم، ومازلت أكرر أطلب حقك كما شئت ولكن بطريقة مشروعة ومتحضرة، فساعتها فقط سيتعاطف الجميع معكم بل قد يعتصمون إلى جواركم لمؤزراتكم للحصول على حقوقكم ولكن المهم علينا أن نتعلم من جديد كيف يكون طلب الحق؟ فطلب الحق حرفة.. طلب الحق حرفة يا سادة.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو إياد
خلي باااااااااااالك
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الله مخلص
إحذروا النقابات العمالية المحرضة على الخراب
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عودة
الحل يأتي في ثانية واحدة فلما التباطؤ و التكاسل و الأذن الصماء ؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
الى التعليق 1
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
الرؤية ضبابية