فجأة، صارت شتيمة الليبراليين من فوق منابر المساجد، إحدى مفردات خطبة الجمعة، تناولت ذلك صفحات الفيس بوك وتويتر، وبأسماء السادة الشيوخ، انطلقت الدعوات تطلب من الله أن يهلكهم.. كانت الدعوات من قبل، وعلى مدى أربعين سنة، لإهلاك اليهود والنصارى، تخصصت فى ذلك جوامع كثيرة وزوايا أكثر، ولم نسمع عن اعتراض أحد من المصلين على ذلك أبدا، رغم أنه فى هذه المساجد يوجد دائما فى الصلاة أطباء ومهندسون ومحامون وغيرهم من المثقفين.. لقد كان لذلك أثره فى البسطاء من الناس، وكثير مما نراه من مواقف ضد الإخوة الأقباط فى الحياة العادية جاء من جراء هذه الدعوات فى المساجد التى لم يبد أبدا أن لوزارة الأوقاف تأثيرا عليها. كان التأثير كله لأمن الدولة، هى التى تحدد من يخطب فى هذا الجامع ومن لا يخطب. المهم يخطب ألا يمس النظام القائم بسوء.. قامت الثورة على النظام وأطاحت برأسه وعصابته الكبرى، وشاركت فيها كل طوائف الشعب من البداية أو متأخرة.. المهم فى النهاية، بدا للعالم كله أن الشعب المصرى كله على قلب رجل واحد.. وكان هذا أكبر عوامل نجاح الثورة. من الطبيعى فى الثورات بعد أن تحقق هدفها الأكبر، وهو هنا الإطاحة برأس النظام وعصابته، أن تختلف على طريقة الحياة بعد ذلك. انتهى النظام الذى كان يعيش على اللعبة السخيفة، وهى إطلاق يد التيارات الإسلامية فى الشارع وتخويفنا وتخويف العالم منها.. وبعد أن انتهى ظهر أن ما ربّاه من هؤلاء كثير جدا وكبير جدا. لقد ترك لهم الحرية كاملة فى أن يسيطروا على الشارع فقط، وأن لا يفكروا أبدا فى الحكم، ومن ثم كان حين يشعر بتفكيرهم فى الحكم يفبرك القضايا لزعمائهم ليعودوا إلى الشارع، والشارغ فقط. اختلفت أطياف المجتمع فى طريق المستقبل، وهذا طبيعى، وارتضى الجميع أن تكون الديموقراطية وصناديق الاقتراع هى الفيصل فى الأمر، فخرجت الأحزاب الجديدة، دينية وغير دينية، وبدا أن المجتمع يدخل فى نقاش مهم ومفيد، لكن النقاش انتقل إلى السباب والشتائم والدعوات بالهلاك، ومن فوق منابر المساجد التى كانت من قبل يسيطر عليها أمن الدولة. شىء مؤسف وطريقة غوغائية فى الصراع الفكرى أو الصراع السياسى. والمصيبة أنك لو سألت أحد هؤلاء المشايخ عن معنى الليبرالية أو العلمانية لن تجده يعرف عنها شيئا غير ما ردده بعض الجهلاء من أنها تجيز لك ان تتزوج بأمك مثلا أو تكفر بالله، وغير ذلك من الكلام الفارغ الذى يردده بعض الشيوخ فى الفضائيات ودروس الدين فى المساجد. أنا لا أريد أن أنفخ فى المسألة وأطلب محاسبة من يستخدم المساجد فى السياسة، لأنه من المساجد يوم جمعة الغضب فى الثامن والعشرين من يناير خرجت جموع الشعب كلها، وعلى رأسهم الليبراليون والعلمانيون من أبناء الطبقة الوسطى المتعلمين، وأشعلوا الثورة التى انضم فيها إليهم بعد ذلك كبار السن من الإخوان المسلمين، بينما ظل الكثير من السلفيين على فتواهم بعدم الخروج على الحاكم، حتى إذا اختفى الحاكم ظهروا ليشتموا فى غيرهم. لا أريد أن أطلب إيقاف هذا «الهطل» الذى لايليق ببيوت الله. فقط أريد أن أنبه إلى خطورة ذلك على الثورة وعلى طريقها، لأنه ليس كل من يدخل المساجد يستطيع أن يقرأ كتابا فى السياسة ليفهم.
الأغلبية رجال ونساء طيبون يستمعون إلى شيوخ قد يحبونهم وبحبون ما يقولون. أدعو السادة الشيوخ الذين يفعلون ذلك، وسيفعلونه بكثرة فى الأيام القادمة، وكلما اقتربت الانتخابات أن يراعوا الله فى خطبهم. الخلاف فى السياسة لا يعنى أبدا الخلاف فى الدين. ولم يختلف فى تاريخ الإسلام أحد فى السياسة كما اختلف على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما، ولم يقل أحد عن أحدهما إنه كافر. من يستطع أن يوقف هذه المهزلة، لا أعرف.. لكن من المؤكد أنه يمكن للأزهر الشريف وقيادته الحكيمة أن تتصل بهؤلاء الشيوخ الذين لم يعودوا سرا، فهم على صفحات الفيس بوك، وتناقش معهم الأمر.. أجل مثل هؤلاء ياخذون البلاد إلى شقاق منتظر من أعداء الثورة.. ويجب على الأحزاب السلفية التى لم تكن لتظهر لولا الثورة التى أشعلها الليبراليون، وكذلك على الإخوان المسلمين الذين لم يكن ممكنا الاعتراف بهم حزبا وجماعة إلا بعد هذه الثورة، أن يكونوا سبّاقين قبل غيرهم لحث هؤلاء الشيوخ على الكف عن سب التيارات السياسية الأخرى والدعاء عليها، لأن الله لا يحب ذلك. أجل الله لا يحب أن تدعو بالهلاك على من يختلف معك فى الرأى، فما بالك إذا كان الذى تدعو عليه هو الذى دفع ثمن هذه الثورة قبل غيره من التيارات الأخرى وفتح لك طريق الوجود بلا سجون أو تعذيب.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
وهدان سعد
دعوهم يدعون...
عدد الردود 0
بواسطة:
د/ عبدالعليم
العلمانيون هم من بدأوا!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد رضوان
ال على راسه بطحه يحسس عليها
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد علي
زهقنا من البراليين
عدد الردود 0
بواسطة:
المقال مبني على باطل
الباقي
عدد الردود 0
بواسطة:
عامر
أهلاً بالجميع ... ولكن ..
عدد الردود 0
بواسطة:
أشرف والي
إلي د/ عبد العليم
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد على محمد نصر
الا اننى
عدد الردود 0
بواسطة:
معتز
نعم
هو الراجل ده عايز يفول ايه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مش فاهمين
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد على
الجهل هو السبب