عرضنا فى المقالين السابقين بعض عناوين المقترحات الهندسية لحل أزمة المرور والازدحام فى مصر، وتحدثنا فيهما عن ضرورة العمل على حل المشكلة ككل من جميع الزوايا ضمن خطة شاملة وليست مسكنات جزئية، وأن يكون المشروع كذلك مرتبطا بتغيير المنظومة الإدارية عموما، والبدء فى تطبيق طرق الإدارة الحديثة فى جميع المجالات وإعادة هيكلة الجهاز الإدارى للدولة، وبالتأكيد كل هذا مرتبط بالحكومة القادمة التى يجب أن تملك برنامجا لإعادة بناء مصر، وتصورا شاملا. ولكن هذا لا يمنع أن تبدأ الحكومة الحالية فى إجراءات لتخفيف المعاناة عن المواطنين وتصحيح الأمور ومحاربة الأوضاع الخاطئة، لأنه من غير المعقول أن يظل الحال كما هو بعد الثورة، وأن يظل المصريون فى نفس معاناة ما قبل الثورة.
تحدثنا عن إعادة هيكلة المنظومة المرورية وبنائها على أساس علمى وفقا للإحصائيات ومعدل الزيادة السكانية والتطور العمرانى والبحث عن موارد جديدة لتمويل مشروعات تحسين الطرق والمواصلات بما يضمن التوازن وعدم ارتفاع سعر الخدمة، وكذلك تطوير النقل الجماعى وتطوير شبكة الطرق بين المدن. فمن الضرورى البدء فى إعادة تخطيط الطرق الرابطة بين المحافظات وإنشائها على أحدث الأساليب العلمية، وجعلها طرقا حرة أو على الأقل ذات كفاءة، كما فى طريق العين السخنة وبعض أجزاء طريق الإسكندرية الصحراوى وتخطيطها بما يسمح باحترام الحارة المرورية ووجود رقابة مرورية على هذه الطرق، فنحن نرى يوميا عددا ضخما من الحوادث على الطرق بين المحافظات والمدن، إما بسبب سوء حالة الطريق أو عدم تخطيطه وتقسيمه لحارات أو عدم وجود إضاءة كافية على الطرق أو ازدواج الطرق فى الاتجاهين فى الطرق بين القرى.
وربما تجتمع كل هذه العوامل فى طريق واحد، بل إن معظم الطرق بين القرى والمحافظات تعانى من كل هذه العيوب مجتمعة، مما يزيد معدل الحوادث وإهدار الموارد المادية والبشرية. وهناك مشكلة اللافتات الإرشادية التى تعانى نقصا شديدا فى مصر، ويتم الاعتماد كثيرا على خبرة السائق، مما يتسبب فى حالة من الارتباك تؤدى إلى الحوادث أحيانا. ولكن لابد أن يتزامن ذلك مع تشديد الرقابة على الطرق سواء بالرادار الإلكترونى، وأيضا بالشرطة الراكبة، فجميعنا نعانى مما يفعله سائقو الشاحنات والميكروباصات من عدم احترام للسرعة أو للحارة المرورية.
وكنا قبل الثورة نسخر من العدد الضخم للشرطة المستخدم فى قمع المظاهرات وندرة رجال الشرطة لضبط حالة المرور فى الشارع، ولكن للأسف الوضع لايزال كما كان قبل الثورة، وأيضا مد طرق جديدة للربط بمناطق مهمة مثل سيناء والبحر الأحمر والصحراء الغربية، فهذه الطرق مهمة جدا لنقل العمران لتلك المناطق المهمة وتخفيف الضغط على وادى النيل الذى تعوّد المصريون العيش على ضفافه. أما عن تمويل إنشاء وصيانة الطرق، فمن المفترض أن الجمارك الضخمة على السيارات والضرائب السنوية كافية، بالإضافة إلى المخالفات وتعريفة عبور الطرق، ولكن هناك أيضا العديد من الأفكار المطروحة لزيادة تمويل إنشاء وصيانة الطرق بين المدن.
ومن الضرورى إعادة النظر فى فكرة الميكروباصات التى ازدادت سوءا بالتوك توك، فمن العار، ونحن نتطلع لبناء مصر الجديدة، أن تستمر تلك المشاهد المخزية للميكروباصات المتهالكة التى تجرى فى شوارع جميع المحافظات والتى يقودها بلطجية وأرباب سوابق، وأيضا التوك توك الذى أصبح عبئا ثقيلا يعيق المرور ويتسبب فى العديد من الحوادث والجرائم، وقد تم تقديم أفكار عديدة منذ سنوات عديدة تتحدث عن نقل جماعى وشركات خاصة للنقل تلتزم بأداء جيد وخدمة مرضية للجمهور وأجرة مناسبة، وتوجد عليها رقابة وإمكانية للشكوى لتحسين الأداء مع تطوير أداء شركات النقل العام الحكومى، ووقف الفساد الإدارى المستشرى فيها، وجعلها منافسا للقطاع الخاص.
وللأسف الشديد، مازالت هيئة النقل العام تعيش فى القرن الماضى، وأصبحت الشركات الخاصة للنقل لا تختلف كثيرا عن مافيا الميكروباص من حيث سوء الخدمة والبلطجة وعدم الرقابة.
ولا مانع من وجود ميكروباصات فى بعض المناطق ذات الشوارع الضيقة، ولكن تحت رقابة وزارة النقل وإدارة المرور بما يضمن خدمة وأجرا مناسبا للجمهور، ومنع البلطجة، أما بالنسبة لمشكلة التوك توك فهناك حل إلغائه، واستبدال سيارات صغيرة به تحت رقابة وزارة النقل وإدارة المرور أو ترخيص التوك توك فى المناطق الضيقة جدا تحت نفس الرقابة..
وللحديث بقية.