عرفت مصر الليبرالية كفكر بشرى منذ فجر الدولة المصرية الحديثة التى تأسست على يد محمد على باشا ومن خلال البعثات المرسلة إلى أوروبا وقوع مصر فى براثن الاستعمار البريطانى تشكلت لدينا مدرستان لليبرالية، الأولى فهى التى يمكن أن نطلق عليها مسمى الليبرالية الوطنية والتى تشكلت على يد سعد زغلول وحزب الوفد ومعظمهم كانوا من تلاميذ الإمام محمد عبده رحمه الله وهذه المدرسة تحديداً هى التى أسهمت فى صياغة دستور 1923 والذى نص صراحة على أن الإسلام هو دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وهذا النص يبين صراحة كيف حرصت المدرسة الليبرالية الوطنية على تحديد هوية الدولة تحديداً واضحاً وذلك قبل نشأة التيار الإسلامى السياسى «تأسست جماعة الإخوان عام 1928» أما المدرسة الثانية فهى المدرسة الليبرالية المتطرفة والتى تزعمها أحمد لطفى السيد وحزب الجيل والذى أعلن ممالأته للاستعمار البريطانى وشنوا حملة شعواء على الثوابت الوطنية والإسلامية ومثلوا الطبقة الأرستقراطية المنفصلة عن الشعب المصرى وهمومه آنذاك.
هذه المقدمة التاريخية أراها ضرورية ونحن نبحث اليوم عن القواسم المشتركة بين الإسلام والليبرالية فى وقت انبرى فيه كثيرون لإبراز مواطن الخلاف والشقاق على حساب مواطن الاتفاق والوئام. وإذا ما اعتمدنا اليوم مفهوم «الحرية» كأحد المجالات المشتركة بين الإسلام والليبرالية سنجد أنه محمل بمضامين فكرية هامة فى الفكر الليبرالى لا تكاد تختلف كثيراً عن الإسلام وسعيه الدائم لتحرير الإنسان وفك إساره من القيود والأغلال.
فالحرية لدى الآباء المؤسسين لليبرالية تكاد تكون حرية «منضبطة» غير منفلتة كالتى يصر البعض على تسويقها وترويجها هذه الأيام. فجون استيوارت ميل يعرف الحرية بأنها: «قدرة الإنسان على السعى وراء مصلحته التى يراها بحسب منظوره شريطة ألا تكون مفضية إلى إضرار الآخرين» أما كانط فيعرفها بقوله بأنها: «استقلال الإنسان عن أى شىء إلا عن القانون الأخلاقى».. فالحرية التى تؤدى إلا الإضرار بالآخرين فى نظر «ميل» ليست بمرضية ولا مقبولة لديه، كذلك نجد كانط يرفض الحرية الخارجة عن سياق القانون الأخلاقى وهو ما يعطينا فى نهاية المطاف نمطاً من الحرية المقيدة بمراعاة الأخلاق.
هذه الحرية التى نادى بها الآباء المؤسسون لليبرالية هى التى سبق إليها الإسلام والذى لم يكن فى مجمله إلا ثورة عاتية على الطغيان والجبروت الذى استطاع أن يختطف الإنسان لصالح «السدنة» و«الكهان» الذين ادعوا احتكار الحقيقة وامتلاك مفاتيحها مما منحهم الحق حينها فى ممارسة الاستعباد بمعاونة طبقة الحكام والأمراء والسادة الذين رأوا فى ذلك الحلف سبيلاً موصلاً إلى تثبيت السيادة الزائفة واستعباد «البشر».
كما حرص الإسلام على القضاء على الطبقة التى تقف حائلاً بين العبد وربه فأعلن تحرير العلاقة بين الإنسان وربه من كل واسطة «وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» ومن هنا لم يعد الإنسان مكبلاً بالأغلال التى تحول بينه وبين ارتياد آفاق الفكر والإبداع، فشهدنا ثورة فقهية وفكرية عظيمة الشأن جليلة القدر أثمرت ثروة عقلية تعتبر مفخرة للبشرية جمعاء إذ إنها تدل على مدى التحرر الذى تمتعت به العقلية العربية الإسلامية والتى شهدت تعددية رائعة تمثلت فى العديد من المذاهب الفقهية حتى داخل المذهب الواحد تعددت الآراء وتنوعت دون أدنى غضاضة إذ اعتقد الجميع حينها بنسبية «الحقيقة» وأن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأى غيره خطأ يحتمل الصواب.
هذا الاقتراب الشديد بين الإسلام والليبرالية حول مفهوم الحرية اصطدم بعقبة كأداء، فقد تسلق نفر غير قليل ممن كانوا يقفون على النقيض الفكرى من الليبرالية على أكتافها وصادروا الحديث الحصرى باسمها ومن ثم عمدوا إلى تقديم نموذج لليبرالية منفصل عن الواقع والمجتمع والقانون الأخلاقى الذى عناه «كانط» مما أدى إلى حالة من الصدام الشديد والنفور الأكثر شدة إذ تحول النموذج الليبرالى على أيديهم من نموذج يسعى إلى تأسيس قواعد الحريات الفردية والاقتصادية والتعبيرية المنضبطة والمتوافقة مع المجتمع والصالح العام إلى نموذج يلهث وراء حقوق الشواذ والمثليات!!
فهل يتدارك الليبراليون الحقيقيون الأمر ويسعون إلى تخليص الساحة الليبرالية من الدخلاء الذين أساءوا إليها.. حتى نتمكن من بناء النموذج المشترك.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د.محمد غريب
الله يفتح عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
adham
لا فوض فوك
لا فوض فوك
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
تحياتى
عدد الردود 0
بواسطة:
Mido2011
كلام جميل
عدد الردود 0
بواسطة:
ghada ahmed
مسلمه ،،، ليبراليه ... تبحث عن مدنية مصر من براثن الاسلاميين
عدد الردود 0
بواسطة:
ماجد
لو كانوا يعقلون
عدد الردود 0
بواسطة:
ربنا يبارك فيك
ربنا يبارك فيك
ربنا يبارك فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهر رزيق-USA
بين حرية الفكر و المجتمع الجامد
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالباسط
حرية لكل الناس الا الاسلاميين
عدد الردود 0
بواسطة:
كمال
وايه اخبار الاسلاميين