د. رضا عبد السلام

إهدار المصريين للقمح والخبز: المشكلة..الحل!!

الأحد، 04 سبتمبر 2011 10:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يستهلك المصريون سنوياً نحو 15 مليون طن من القمح، يتم استيراد حوالى 60% من إجمالى هذه الكمية، أى حوالى 8 إلى 9 ملايين طن، يأتى أغلبه من دول آسيا وروسيا وأوكرانيا، فضلاً عن دول أوروبا كفرنسا، وبالطبع الولايات المتحدة. وفى ظل افتراض سعر 300 دولار للطن - حسب متوسط الأسعار العالمية - فإن فاتورة استهلاك المصريين "للقمح فقط" تصل إلى نحو 4,5 مليار دولار أى أكثر من 25 مليار جنيه!! وهذا يعنى أن الحكومة المصرية ملزمة بتوفير نحو 3,5 مليار دولار سنوياً من أجل فاتورة واردات القمح فقط!
وقد قدرت المؤسسات الدولية، وفى ضوء الأرقام التقديرية المشار إليها أعلاه، متوسط استهلاك الفرد من الدقيق فى مصر بنحو 187 كيلو سنوياً، أى أكثر من نصف كيلو من الدقيق يومياً. هذا يعنى أن كل مواطن مصرى، صغيراً وكبيراً، غنياً وفقيراً يستهلك يومياً أكثر من نصف كيلو من الدقيق، أى أنه يبتلع يومياً حوالى 10 أرغفة!! هل هذا معقول أو منطقى؟! ما عرضنا له أعلاه عبارة عن أرقام وحسابات تقديرية، ولكنها لا تبعد كثيراً عن الواقع المؤلم، الذى جعل مصر على رأس دول العالم، ليس كأفضل اقتصاد ولكن كأكبر مستورد للقمح.
بالطبع، ما عرضنا له أعلاه ينافى المنطق ويحير العقل. إذاً أين تكمن المشكلة، وما هى تبعاتها؟ وما هو السبيل للخروج منها؟
نعلم جميعاً حجم المخاطر التى تحيط باقتصاد مصر بعد الثورة، وخاصة بعد حالة عدم الاستقرار التى تشهدها البلاد بسبب التصرفات الصبيانية من هذا التيار أو ذاك أو أعمال البلطجة التى عمت البلاد وغمت العباد، وجعلتنا نندم على اليوم الذى فكرنا فيه فى الثورة على الظلم والظالمين!
المهم، هو أن مخزون البلاد من القمح لن يدوم طويلاً، وحتى نعزز هذا المخزون، ليس أمامنا – وعلى المدى القصير والمتوسط – سوى التوسع فى الواردات. ولكن حتى نتوسع فى الواردات علينا أن ندرك خطرين مهمين:
الأول: وهو ارتفاع أسعار القمح عالمياً، وخاصة بعد أزمة المفاعلات اليابانية، وما تركته من أثر على كل الدول المحيطة، ومنها روسيا وأوكرانيا، حيث تسرب الإشعاع...الخ. هذا ناهيك عن التغيرات المناخية والتى أثرت بالسلب على الإنتاج العالمى من القمح.
والثانى: وهو الحاجة إلى عملات صعبة لاستيراد المزيد من القمح، فى وقت تعانى فيه البلاد تراجعاً حاداً فى احتياطى العملات الصعبة، وخاصة بعد تراجع مؤشرات السياحة وغيرها...الخ.
إذاً، على الحكومة الحالية - التى كثيراً ما تحدثنا عن المخاطر والتحديات - أن تبادر إلى طرح حلول عاجلة وسريعة، وإلا فنحن نكرر الماضى البغيض للحكومات السابقة.
نعلم جميعاً، بل وندرك أن هناك إهدارا غير طبيعى وغير مقبول للقمح والدقيق، الذى يكلف الدولة المليارات لاستيراده، وأن ما لا يقل عن 40% من القمح المستورد يتوجه إلى غير مستحقيه، وإلى أفران ومحال أولى بها أن تتوقف عن العمل خلال هذه المرحلة الحرجة فى تاريخ مصر، وعلى رأس تلك الجهات:
1. المخابز التى تنتج المخبوزات الفاخرة، والتى تنتشر فى كل شارع من شوارعنا فى مصر. فما من شارع إلا وفيه مخبز أو مخابز تستخدم الدقيق المدعم، الذى كلف البلاد المليارات.
2. محلات البيتزا والفطائر التى انتشرت فى شوارعنا انتشار السرطان فى الجسم أو انتشار النار فى الهشيم، فهذه تستقطع جزءً لا بأس به من واردات مصر من القمح والدقيق.
3. محلات الحلويات والتورتات والجاتوهات، والتى تستقطع بدورها حصة غير قليلة من هذا القمح والدقيق، وتعزز من نمو السوق السوداء للدقيق.
4. استخدامات الخبز المنتَج من أفران الخبز المدعم فى غير الغرض الذى أنتجت من أجله، وتحديداً كعلف للحيوانات والطيور.
إذاً، لو جلسنا فقط لنحصر أبواب إهدار القمح، الذى يتم استيراده بالعملات الصعبة، سنعجز عن إجراء هذا الحصر. وبالتالى، كنت أتصور أن تبادر وزارة المالية وبالتعاون مع وزارة التضامن - وغيرها - لطرح مبادرة عاجلة، يدعى إليها خبراء من تلك الوزارات ومن أساتذة الجامعات، لوضع حل عاجل وحاسم لهذه الظاهرة المقيتة.
فأنا أعرف فى مدينتى (المنصورة) أشخاصاً امتهنوا مهنة سهلة، تدر ربحاً سريعاً ودون جهد يذكر. كل ما يفعلونه هو أنهم يُسَرِّحوا الأطفال للوقوف أمام المخابز والأفران، لشراء أقصى كمية من الخبز، ثم يقومون بتجفيف هذا الخبز تحت الشمس، وطحنه من خلال مطاحنهم الخاصة فى بيوتهم، ثم يقومون ببيعه فى أجولة كعلف للحيوانات والطيور!!! وبالتالى إذا كان الجوال الواحد قد كلفه حوالى 10 جنيهات (200 رغيف خبز) فإنه يقوم ببيعه بحوالى 70 إلى 100 جنيه كعلف للطيور والحيوانات كما ذكرنا. ويا دار ما دخلك شر.
نحن أمام جرائم كبرى تقع فى كل قرية ومدينة فى مصر، فى وقت لا تتحمل فيه موازنة الدولة كل هذا الإهدار. ولهذا لابد من قيام حكومة الأقوال بأن تحول تلك الأقوال إلى أفعال. وأقترح المبادرة باتخاذ الخطوات التالية إنقاذاً لاقتصاد مصر:
1. إغلاق المخابز (مؤقتاً) التى تنتج الخبز الفاخر، وبالتالى سنقلل الضغط على مخابز الرغيف المدعم، ومن ثم السوق السوداء فى الدقيق (سعر الجوال 100 مدعم يباع فى السوق السوداء بأكثر من 200 جنيه). وبالتالى علينا أن نأتى على أصل المشكلة وهو إغلاق تلك المخابز مؤقتاً ولمدة 6 أشهر لتهدئة السوق، وبالتالى توفير جانب كبير من الدقيق ليغطى فترة أطول. فبدلاً من استهلاكه خلال 4 أشهر قد يدوم لفترة 8 أشهر أو أكثر. من واجب الطبقة الغنية والمقتدرة أن تتحمل لبعض الوقت من أجل مستقبل هذا البلد. أعتقد أن الشعب والبلاد يستحقون منهم القليل من التضحية!
2. حظر وقتى لاستيراد الدقيق الفاخر، حتى ولو كان القائم بالاستيراد هو القطاع الخاص. فهذا القطاع الخاص يفرض ضغوطاً على العملة الوطنية خلال تجميعه للعملات الصعبة اللازمة لاستيراد هذا الدقيق الفاخر. عليهم أن يتحملوا المسئولية تجاه بلدهم خلال هذه المرحلة الفاصلة.
3. النظر فى مشكلة أعلاف الطيور والحيوانات وتشجيع الاستثمار فيها، وربما الواردات من تلك الأعلاف، وذلك لضمان عدم تحويل الخبز المدعم إلى أعلاف، وتوفير مئات الملايين على الدولة سنوياً.
4. وضع جزاءات رادعة (جنائية ومالية) على من يثبت فى حقه إساءة استخدام الدقيق أو الخبز فى غير الغرض الذى أنتج من أجله.
5. القيام بحملة توعية مجتمعية لتعريف الناس بمخاطر وتبعات الاستخدام السيئ لهذا المورد النادر، وفى نفس الوقت للارتقاء بثقافة الاستهلاك لدى المواطن المصرى. وهذه تتطلب جهداً تعليمياً وتثقيفياً وتربوياً تتولاه المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدنى.
6. تشجيع الفلاحين المصريين على التوسع فى إنتاج القمح لردم الفجوة القائمة بين متطلبات السوق وما يتم استيراده بالعملات الصعبة. وهذا لن يتحقق إلا إذا تم وضع سعر مجزى ومحفز للفلاح لإنتاج القمح، وفى نفس الوقت تقديم الكثير من التيسيرات والخدمات التى تدعم القطاع الزراعى بوجه عام.
7. وضع خطة زمنية محددة المعالم والأهداف والبرامج لترشيد وخفض الاستهلاك المحلى من القمح والدقيق بحيث توافق المعدلات العالمية.
إذاً، على الجميع أن يدرك أننا أمام مشكلة كبرى، وإهدار شديد، وفى نفس الوقت أمام دولة تواجه مشكلات كبرى بشأن توفير العملات الصعبة لتلبية فاتورة الواردات. على الحكومة أن تنتقل من مرحلة طرح المشكلات والدخول فى مرحلة وضع الحلول العاجلة والحاسمة والصارمة وإلا سيزداد الوضع سوءًا. فهل من مجيب؟








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة