ما بين عشية وضحاها انقلبت الأوضاع بين المجلس العسكرى والإسلاميين، فالمواقف تغيرت والرسائل الإعلامية تبدلت، ليبدأ صراع يسعى فيه كل منهم إلى إظهار أنيابه، ويظهر شعار «مصلحتك أولا».
البداية كانت مع دعم المجلس العسكرى لوثيقة المبادئ الأساسية للدستور الذى ظهر فى تصريح مباشر على لسان أحد أعضائه «أن مصر لن تصبح إيران أو غزة ولن يحكمها خمينى آخر»، وهو ما يشير إلى تراجع عما رآه البعض بأنه ساند للقوى الإسلامية عند توليه السلطة والتى جعلت علاقتهما تبدو وكأنها «صفقة» يدعم فيها كل منهما الآخر.
وظل الطرفان على علاقة متماسكة رغم هجوم باقى القوى السياسية عليهما والتى ظهرت كما يوضح الدكتور جمال زهران، عضو مجلس الشعب الأسبق، فى ضم عضو من جماعة الإخوان المسلمين للجنة تعديل الدستور، إلى جانب الإفراج عن أعضاء الجماعة المعتقلين بالسجون، الأمر الذى فسره زهران بمحاولة المجلس الموازنة بين القوى الإسلامية والليبرالية آنذاك، بعدما شعر بمحاولة الإسلاميين لاستعراض قوتهم والاستحواذ على الشارع، مضيفا أن المجلس حاول تمرير الفترة الانتقالية بأقل قدر من الخسائر وأكبر قدر من المكاسب.
فيما أكد إبراهيم الهضيبى، الباحث السياسى أن الإسلاميين لم ينحازوا لبقاء المجلس وأنهم يرغبون فى التخلص منه سريعا من خلال توفير خروج آمن له وذلك على أثر خلفية تاريخية سيئة جمعت بينهم، موضحا أن ما دفع المجلس العسكرى لإعلان وثيقة المبادئ الدستورية هو ما وجده بأن القوى الأقل حكمة هى الأعلى صوتا وهو ما ظهر فى استخدام الدين فى الاستفتاء، مما ساهم فى سرعة تدخله من أجل الحفاظ على الوسطية فى الدولة، مدللا على حديثه بخلو تشكيل الوزارات من الإسلاميين فى حين أنها تضم أعضاء من التجمع والوفد.
ويشدد الإسلاميون على أن اختلافهم حول الوثيقة لا يمثل بداية للانقلاب على المجلس، وربما تعود العلاقة بينهم فى المستقبل، حسبما أكد دكتور صفوت عبد الغنى، عضو مجلس شورى الجماعات الإسلامية، الذى أصر على نفى وجود أى اختلاف بين الجبهتين رافضا التعليق على أى من الشواهد التى ظهرت على الساحة، مبررا الاعتراض على وثيقة المبادئ الأساسية للدستور بأنه لا يعبر عن مواجهة مع المجلس العسكرى الذى يدعمها وإنما تعود فى الأساس إلى أن الإسلاميين لا يقبلون أن تفرض الوثيقة الدولة العلمانية على الإسلاميين وأن تكون على حسابهم.
وأضاف «لا يجوز وضع أى مبادئ تلزم الشعب بشىء لم يتم سؤاله عنه، خصوصا أنها تفرض الدولة العلمانية تحت مسمى الدولة المدنية، وهى تمثل إقصاء شديدا للإسلاميين من المشاركة فى الحياة السياسية لأنها تفرض الشروط على الهيئة التأسيسية التى سيحدد فيها مجلس الشعب المقبل الدستور، والتوازن يجب أن يأتى بموافقة الطرفين، وموافقة المجلس لا نستطيع أن نعتبرها دليلا على أن العسكر يريد الصعود على حساب الإسلاميين».
واتفق الدكتور محمد يسرى - الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح وأحد شيوخ السلفية - على عدم وجود أى صفقات بين الإسلاميين والمجلس العسكرى، مؤكدا أن الصورة الذهنية التى وصلت للبعض بأن الإسلاميين يتوددون للمجلس العسكرى كانت نتيجة الإقصاء الذى تعرض له التيار الإسلامى سنوات طويلة، لدرجة بات ظهورهم فيها مقلقا.
وتابع يسرى «ما يشاع عن وجود اتفاق بين المجلس العسكرى والإسلاميين محاولة من القوى السياسية إخفاء فشلها فى الوصول إلى الجماهير»، وقال: «ما تردد عن زيادة المجلس العسكرى لدور الإسلاميين فى الشارع غير صحيح، وأن الأفراد لديهم الوعى الكافى للتقرب من القوى السياسية التى تتفق معهم فى الرأى والتوجه».
أبو العز الحريرى، منسق حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، قال: «توهم المجلس العسكرى أن الإسلاميين هم القوى المسيطرة فى الشارع فحدث بينهما اتفاق على تقسيم السلطة، رغم اقتصار تصورهم على الوصول إلى دستور إسلامى دون وجود برنامج واضح لهم للتغيير، بما حول علاقتهما إلى مواجهة».
الرسالة التى وجهها المجلس العسكرى من وثيقة المبادئ الدستورية وموقف الإسلاميين منها خاصة جماعة الإخوان المسلمين، أعادت إلى الأذهان ما حدث فى خمسينيات القرن الماضى، والتى حاول فيها الإخوان التودد إلى مجلس قيادة الثورة من خلال دعم جمال عبد الناصر، بهدف المشاركة فى الحكم، حتى جاء حادث المنشية الذى قلب موازينهم رأسا على عقب، ولم يفتح أمامهم سوى باب المعتقلات.
تفسيرات الخبراء، يؤيدها ما حدث فى دول أخرى ضمت نماذج متقاربة لعلاقة الإسلاميين والعسكر، وسعت فيها التيارات الإسلامية للوصول إلى الحكم مثل تركيا وإيران، يقول دكتور كمال حبيب، الباحث والمتخصص فى الشؤون الإسلامية: إن الإخوان المسلمين فى مصر تحاول الاستفادة من تجربة حزب العدالة والتنمية فى تركيا الذى يمنح دستورها العديد من المميزات للقوة العسكرية، وهو ما دفع الحزب لتغيير الدستور، لتقليص هذه المميزات.
ويرى حبيب أن تجربة تركيا هى الأكثر نجاحا وسلمية، حيث استطاع فيها الإسلاميون التغلب على قوة العسكر، لأنهم جاءوا عن طريق الشرعية الانتخابية لغالبية الأتراك، وهو ما وصفه بأنه صراع «مكتوم ومحسوم يسعى خلاله الإسلاميون لتحويل سلطات مجلس الأمن القومى إلى المدنيين بهدف نزع الخيوط الحريرية التى استحوذ عليها الجيش داخل النظام التركى».
ودفع تهديد الجماعة الإسلامية والسلفيين فى مصر بخروج مظاهرات غير هادئة ضد المبادئ فوق الدستورية، بعض الخبراء إلى توقع أن تكون مصر أقرب إلى النموذج السودانى والجزائرى اللذين أثارا موجات من العنف بعد وصولهما للحكم، حيث يقول دكتور هانى رسلان، الخبير فى شؤون دول حوض النيل بمركز الأهرام الإستراتيجى، إن الجبهة الإسلامية القومية فى السودان عملت على أسلمة الجيش عن طريق إلحاق أعضاء الجبهة فيه، ما أدى لاشتعال حرب أهلية على مدار عشر سنوات، بسبب الشعارات الدينية التى رسختها الحكومة.
وأوضح رسلان أن التيارات الإسلامية التى سيطرت على الحكم بالسودان لمدة 21 سنة لا تختلف كثيرا عن الموجودة فى مصر فى الوقت الحالى قائلا: كان الإسلاميون فى السودان يقدمون أنفسهم على أنهم حركة إسلامية حديثة تنادى بالعودة إلى الاجتهاد وتجديد أصول الدين والديمقراطية، وتنظر إلى تحرير المرأة وزيادة مساحة حريتها فى المجتمع والتكافل الاقتصادى، إلا أنهم فشلوا فى تحقيق ذلك، لعدم امتلاكها كوادر كافية ولافتقارها لبرنامج سياسى واضح، لتطبيق ما نادت به، فكل ما رددته كان مجرد شعارات بهدف الوصول إلى السلطة» حسبما أكد رسلان.
فيما يرى الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام الإستراتيجى، أن ظهور فصائل إسلامية مثل السلفيين إلى جانب الإخوان فى المعترك السياسى وعلاقتها مع العسكر، سيؤدى إلى الدخول فى حرب شرسة وموجات من العنف، تجعل مصر أقرب إلى نموذج الحكم فى السودان، موضحا أن العنف سيتمثل فى صراع التيارات الإسلامية مع بعضها البعض، بشكل أكبر من الصراع مع القوى السياسية الأخرى، نظرا لاختلافهم الأساسى فى التفاصيل المتعلقة بالمرجعية الدينية وبالتالى ستكون أكثر عنفا.
وأوضح ربيع أن الإخوان المسلمين هم الأكثر دراية بالعمل السياسى عن الفصائل الإسلامية الأخرى التى ستتبع التخوين والتكفير والخروج عن الملة ضد معارضيها.
وثيقة المبادئ الدستورية تهدد السلام بين الطرفين.. وتعيد التوازن مع باقى القوى السياسية
«مصلحتك أولا».. شعار المرحلة بين الإسلاميين والمجلس العسكرى
الأحد، 04 سبتمبر 2011 12:01 م