"إن النتائج المترتبة على اتفاقية كامب ديفيد تشمل مأساة ذات أبعاد لا توصف" هكذا جاء رأى الباحث الأمريكى وليام كوانت، العضو الأسبق بهيئة موظفى مجلس الأمن القومى الأمريكى، لعدة سنوات إبان عقد السبعينات، والذى شارك فى مفاوضات اتفاقيتى كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، فى اتفاقية كامب ديفيد بعد عشر سنوات فقط من توقيعها وذلك من خلال كتابه الشهير "كامب ديفيد.. السياسة وعملية السلام" ليكون بذلك أول المتنبئين بالعواقب الوخيمة لتلك الاتفاقية.
كوانت الذى يشغل حاليا منصب كبير الباحثين بمؤسسة بروكينجز بواشنطن وهى إحدى المؤسسات البحثية الأمريكية ذات الاهتمام الكثيف بقضايا الشرق الأوسط ولاسيما عملية التسوية وبناء السلام ما بين العرب وإسرائيل، جاء كتابه يحمل تفاصيل الاجتماعات المغلقة والاتصالات الخلفية التى لا تظهر عادة إلى العلن.
فى هذا الكتاب الذى يعد واحدا من مئات الكتب التى تناولت هذا الحدث الهام فى التاريخ الحديث، يشير كوانت إلى أن نتيجة تلك الاتفاقية كانت متوقعة فكان من الطبيعى أن نجد استمرارا للصراع العربى الإسرائيلى حتى يومنا هذا فى ظل بنود معاهدة "مُقيدة" لمصر تجاهلت محنة الفلسطينيين وحصلت فيها إسرائيل على المزيد من الامتيازات والمساعدات الأمريكية وصلت إلى 3 مليارات دولار.
يتحدث كوانت عن كواليس لقائه بالقادة الثلاثة أنور السادات، مناحم بيجن، وجيمى كارتر لمدة 13 يوما فى سبتمبر 1978 فى المنتجع الرئاسى فى جبال ماريلاند للعمل من أجل وضع صيغة خاصة بعملية سلام شامل فى الشرق الأوسط، مؤكدا على أن بيجن أظهر فى الأيام الأولى لتلك الإتفاقية أنه مؤيد للفكرة ولكن فى حقيقة الأمر كان من أكثر الأطراف المعارضة لاستمرار السلام بين العرب وإسرائيل بشكل عام وأكبر من مجرد اتفاقية ثنائية بين مصر وإسرائيل.
فى باب الحرب المقبلة، يصف كوانت معاهدة كامب ديفيد بمثابة شهادة تفوق لإسرائيل فى المنطقة جعلت مصر تقف مقيدة أمام الحروب التى تشنها الأولى فى البلاد العربية العراق، لبنان ، وتونس وعلى رأسهم فلسطين، ويقول كوانت أن كارتر والسادات اعتقدا أن بإمكانهما ممارسة ضغوط على بيجن لتقديم كثير من التنازلات ولكنه رفض.
ويوضح كوانت أن أمريكا وقفت عاجزة أمام الغطرسة الإسرائيلية وجنون العظمة المسيطر عليها ففشلت فى التأثير عليها للانسحاب من الضفة الغربية المحتلة وأصبحت إسرائيل مؤثرة على الوجود المحورى لأمريكا فى الشرق الأوسط وهذا كله دفع المصريين والأمريكيين فى نفس الوقت للشعور باليأس.
وتوقع كوانت أن تحصل إسرائيل على مزيد من الامتيازات مع مرور الوقت، خاصة أن موقف مصر منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات كان ضعيفا.
واختتم كوانت كتابه قائلا إن هناك تقريبا شعور المأساة اليونانية حول مصير الرجال الذين تفاوضوا فى كامب ديفيد. حيث هزم كارتر فى انتخابات 1980 الرئاسية واغتيل السادات فى عام 1981. وتدهورت حالة بيجن الصحية بعد وفاة زوجته إليزا والتى تسببت فى أن يتقاعد فى عزلة عميقة حتى توفى فى 1992.