معصوم مرزوق

أقزام فوق الشجر

السبت، 03 سبتمبر 2011 03:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
(1)
عندما استيقظ العملاق «جاليفر»، فوجئ بأن كل الأقزام الذين رآهم بالأمس، يتسلقون فوق الأشجار فى محاولة بائسة كى يكونوا أكثر طولاً...

(2)
هذه المرة.. فكرت أن أكتب شيئاً مختلفاً.. لأننى.. وربما الناس معى.. قد مللت التكرار.. فالناس تصحو وتنام على أخبار الثورة والثوار، والجميع يتكلمون، وهم معذورون لأن نعمة الكلام الحر لم تكتشف إلا بعد 25 يناير..

وقبل أن أنزلق إلى المعتاد المتكرر، أنبهكم إلى أن غلبة العادة، وسيادة التقليد، هى آفة المجتمعات الساكنة مهما كان كلامها صاخباً..

(3)
هذه الفتاة الطازجة.. أو التى كانت فتاة ربيعية قبل ما يزيد على أربعين عاماً.. لم تستطع الانتظار.. أقسم لها أن الحرب قادمة، وأنه متيقن من النصر.. جذبته من ياقة سترة أوفاروله وقالت له ساخرة: «اذهب أنت والسادات فقاتلا.. فى المشمش !!»..

كان ذلك تحديداً عام 1972.. وفى صيف نفس العام تمت خطبتها لموظف محترم كان معفياً من التجنيد..

التقاها فى شتاء عام 1976 فى مناسبة اجتماعية ومعها طفلتها الصغيرة.. كان قد حصل على وسام الشجاعة من الطبقة الأولى تقديراً لما أبلاه فى الحرب.. قالت له: «لا زلت أحبك.. هل تغفر لى يوماً؟».. أجابها مبتسماً: «أنت لم تخطئى فى حساباتك.. ولكن هناك أشياء لا يمكن حسابها بالعقل والمنطق»..

تركها خلفه وهى تتسلق فوق الشجرة...

(4)
كتب عنه رئيسه فى العمل أنه مشاغب يحب عبدالناصر ولديه ميول يسارية ويهاجم كامب ديفيد.. وأمام المحقق وقف ثابتاً شامخاً، اعترف بكل شىء: «نعم.. ميولى يسارية وأحب هذا الوطن حتى النخاع، من أجله استشهد أعز رجالى، هم من دافعوا عن هذه الأرض، بينما اكتفى الباقون بتسلق الأشجار»..

قال له المحقق وهو يشعل سيجارته: «إذن أنت ملحد وكافر».. فأجابه بنفس الثبات: «إذا كانت مواجهة الظلم كفراً.. إذن فأنا كافر.. لن أؤمن بالظلم ما حييت»..

فوجئ أن المحقق يحاول جاهداً أن يتسلق الشجرة.. كان يهدده بصوت عال وينصحه من أجل مستقبله الوظيفى أن يدخل فى شق الحائط..

(5)
قال له الرجل الكبير وهو يرفع حاجب الفرعون: «توقف عن الكتابة.. إنهم يترجمون فى السفارة مقالاتك ويحسبونها علينا»، فأجابه: «يا سيدى.. أكتب منذ نعومة أظافرى، لقد ولدت والقلم فى يدى».. فنفر الرجل الكبير من منخاره بملل قائلاً: «إذن فليس أمامك سوى الاستقالة».. فابتسم وهو يجيب: «تأكد أننى لو شعرت أن التناقض لا يمكن علاجه فإننى سوف استقيل.. ولكننى أشعر أننى يمكن أن أكون مفيداً من موقعى حتى الآن»..

كانت الشمس تغرب فوق بحيرة فيكتوريا، حين بدأ الرجل الكبير يتسلق الشجرة وهو يهز رأسه الكبيرة مؤكداً نهايته المهنية..

(6)
قال جاليفر: «أنا ربكم الأعلى»، ثم استوى على عرشه متأملاً فى جنده الكثيف وقصره المنيف وجلاده المخيف.. وكان الأقزام متناثرين مثل النمل فى شقوق الأرض يحملون كسرة خبز عفنة أو جيفة باعوضة أو صرصور، يسبحون بحمده ويتهامسون بلعنه وهم يتلفتون خوفاً من العسس المنتشر..

وما هى إلا صيحة.. «ارفع رأسك».. حتى مادت الأرض وأخذت جاليفر إلى مكان وكأنه أرض أخرى يسكنها عمالقة.. تلفت فى جزع، يصرخ فى جنده وعسسه، يتخبط بين جدران قصره، وصوت الرعد يصم أذنيه: «يعز من يشاء، ويذل من يشاء»، بينما يرسم البرق كلمات من اللهب بأبجدية الغضب..

تلفت جاليفر حوله فى يأس باحثاً عن شجرة يصعدها.. لكنه لم يجد حتى حفرة تؤويه.. لقد تعملق الأقزام، وتقزمت العمالقة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد..








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

حسام الدين محمد

اخيرا بدانا نتنفس الحرية

بجد مقال جامد جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

بين أقزام الشجرة وركاب السفينة

عدد الردود 0

بواسطة:

ثروت ميلاد

لا تتوقف

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

الحق والعدل والمساواة وكرامة الانسان

عدد الردود 0

بواسطة:

علاء

من هم الأقزام

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة