أعلنت حكومة الثورة عن تمويل البرنامج القومى للإسكان تمويلاً ذاتياً، وذلك بإنشاء مليون وحدة سكنية خلال 5 سنوات تتراوح مساحتها بين 50 و70 متراً، وهو ما يعتبر امتدادا لنفس سياسة الإسكان التى كانت متبعة فى الماضى بالاستمرار فى بناء الوحدات الصغيرة التى لا تناسب قطاعا كبيرا من المجتمع المصرى، حتى إن الرئيس المخلوع نفسه كان قد علق فى إحدى المرات على ضيق المساحة عندما فوجئ ببناء وحدات سكنية أقل من 40 مترا وهى المساحة التى تقل عن القفص الذى يحاكم فيه الآن بتهم الفساد وقتل الثوار!!، وهو ما يؤكد على انعدام الوعى لدى المسئولين عن الإسكان وما يمكن أن يترتب عليه من مشكلات اجتماعية خطيرة مثل العنف الأسرى والاجتماعى الذى نعانى منه، وكذلك الانفلات الأخلاقى والسلوكيات المنحرفة وانتشار الفاحشة، ومنها زنى المحارم، فهل وضع هؤلاء تصورا لكيفية حياة أسرة بها أولاد وبنات فى مثل هذه الوحدات، وماذا لو كانت هذه الأسرة تضم الجد والجدة، لقد رأيت بعينى مساكن فى الورديان بالاسكندرية لا تكفى لأسرة صغيرة تقيم بها أسرتان ممن أوهمتهم المحافظة بتوفير مساكن بديلة وبقى الوضع على ما هو عليه لسنوات طويلة، وترتب على ذلك من المشاكل ما نعجز عن وصفه أو حصره، فالبلطجة والإدمان والانفلات الأمنى هناك خير شاهد، وكأن الحكومة أعدت معامل لتفريخ البلطجية بدلا من المساكن الآدمية، كيف يا سادة نستمر فى هذه السياسة وماذا عن النشء الذى سيخرج من هذه الأوكار التى لا يستطيع فيها طفل أن يستذكر دروسه، فضلا عن توفير البيئة المناسبة له لتقويم سلوكه، كيف سيكون التشوه النفسى لدى هؤلاء الأطفال عندما يشاهدون المسلسلات المصرية التى يتم تصويرها فى أرقى الفلل والقصور ولكل طفل غرفته الخاصة، بينما هم يعيشون فوق بعضهم البعض، يا سادة كيف نبنى فى الصحراء على مدار سنوات ملايين الوحدات بنفس المساحات حتى لو استخف بعقولنا مسئول بأن هذه الوحدات لحديثى الزواج، فهل كل الأسر فى مصر كذلك، وهل سيستطيع محدودو الدخل الانتقال إلى مساحة أوسع فى المستقبل!؟ ومن أين لهم ذلك وأنت لم توفر لهم مساحات أكبر!؟ وهو ما يجبرهم على العودة إلى العشوائيات مرة ثانية بحثا عن مساحة تتسع لأولادهم، ألم يكن لكم فى مشروع ابنى بيتك عبرة وهو المشروع الذى كان ينبغى أن يكون نقلة حضارية.. فإذا به ردة معمارية.. بل وتشويه للمدن الجديدة التى نقلنا إليها العشوائيات تحت اسم مشروع قومى!، والآن معظم المستفيدين من ابنى بيتك يحاولون التخلص من هذه البيوت الصغيرة والمحرومة من المرافق والخدمات بأسعار أقل مما أنفقوها لأنهم أيقنوا بأن مرافق هذا المشروع سوف تنهار خلال أيام من تشغيلها بسبب انعدام الضمير وغياب الرقابة، ولذلك تحولت مواقع ومجموعات المستفيدين على الإنترنت من مناقشة الأفكار عن مشروع المستقبل لتبادل الرسائل التى تتحدث عن فوائد العرقسوس والزنجبيل.
مهندس على درويش يكتب: مشروع الإسكان وفوائد الزنجبيل
الخميس، 29 سبتمبر 2011 01:01 ص