احتفل أمس، المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور شاكر عبد الحميد، الأمين العام للمجلس بالتعاون مع السفارة الهندية بالقاهرة، بمناسبة مرور مائة وخمسون عامًا على ميلاد الشاعر الهندى "رابندراناث طاغور". وحضر اللقاء مجموعة من الشعراء والمفكرين الذين تحدثوا عن مكانة "طاغور" الشعرية، والتشابه بين الحضارة المصرية والهندية من خلال شعر "طاغور" وأمير الشعراء "أحمد شوقى".
قال الشاعر "عبد المعطى حجازى" إن طاغور أثبت أن الشعر ضرورى للحياة الإنسان، فقد كان يغادر بيته وأهله من أجل أن يبحث عن الشعر، وكان الجنود يهرعون إليه ليتلقون شعره ليبعث البهجة فى نفوسهم.
وأشار إلى أن طاغور قرر أن يتحرر من الكتابة التقليدية، دون أن يخل بالموسيقى الشعرية، وكان وجه التشابه بينه وبين جيل أحمد شوقى أو جيل الرومنطقيين أن رومنطيقته حملت إقبالا على الحياة وفرحة بها على العكس من الرومنطقيين الأوروبيين.
كما قال الشاعر فاروق شوشة إن "طاغور" ليس فقط أول هندى أو آسيوى ينال جائزة نوبل، بل هو أول من نالها من غير الأوروبين، حيث كانت من قبل مقصورة على أدباء وشعراء أوروبا، كما أنه أول أديب وشاعر عالمى ينال نوبل وهو مازال فى الخامسينات من عمره.
وأضاف: "أنه بجانب إبداعه الشعرى، كان فيلسوفا ومسرحيا له نظريته فى التعليم جسدها من خلال مدرسة منفتحة أقامها مقلدا مدرسة تولستوى، وعندما توفى طاغور قال عنه غاندى "إن طاغور هو الحارس العظيم بضمير العالم بأسره"، وقال ادوارد طومسو أنه نفحة من احضان الهمالايا، وكما أن جبال الهمالايا ملك للأرض، فإن طاغور ملك للإنسانية جميعها".
وأشار شوشة إلى أن التشابه بين الشاعر المصرى "أحمد شوقى" و"طاغور" أن كليهما جمع خلاصة حضارة أمته فى شعره، فكلاهما استوعب تراث أمته الشعرى وعاش فى معاناة دائمة مع تجربة الابداع الشعرى منفتح على الحياة وعلى الثقافات من حوله.
وقال الشاعر الهندى "حسين الرحمن": "طاغور يعد أهم الشعراء الذين كتبوا باللغة البنجالية، فقد كان مبدعا فى كلماته، وهناك العديد من أشعاره التى لا تزال خالدة حتى الآن".
وأوضح "حسين الرحمن" أن طاغور لم يتحدث كثيرا عن الأديان فهو لم يكن يحبذ استخدام الدين فى غير العبادات، ولقد كان طاغور أحد عمالقة عالم الفن والرسم، وقال عن لوحاته "إنها لم تكن للهنود وإنما للغرب ليتعرف على حضارات بلاده".
وقال المفكر جلال أمين إن "شوقى" و"طاغور" عاصرا الموجة الاستعمارية العاتية فى الثلث الأخير من القرن 19 وبداية القرن 20 التى يمكن اعتبرها من أخصب فترات الحضارة الاوروبية، وكان لها تأثير كبير على الحضارة الهندية والمصرية، وهو ما ظهر كثيرا فى شعر "شوقى" و"طاغور".
وقد كان كل منهما يدرك أن أمته تريد أن تخرج من واقعها البائس، وعبر عن هذا التفاؤل فى مصر جيل الرواد الذى ينتمى إليه "شوقى"، وفى الهند عبر عنه "غاندى" وأصدقائه منهم "طاغور".
وأضاف أمين أن "طاغور" و"شوقى" إذا كانا بيننا الآن فإنهما سيشعران بحالة من خيبة الأمل، فمازالت الحروب مستمرة ويعانى الكثير من الظلم والفقر والاضطهاد، وكان "طاغور" سيشعر بالأسى من الجشع الاستهلاكى الذى سيطر على العالم، ويحزن "شوقى" بسبب انهيار اللغة والأدب العربى.
ومن جانبه اعتبر الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة "طاغور" رمزا للعلاقة الوثيقة بين مصر والهند التى مرت بالكثيرمن المراحل السياسية والفكرية، فطاغور استطاع سحرنا من خلال أشعاره التى ترجمها بديع حقى ومصطفى نجيب، بسبب قدرته الفائقة على التأثير فى النفس الإنسانية، بالرغم من أن الترجمة لا يمكنها أن تنقل روح الكلمات وموسيقاه، ولكن طاغور استطاع أن يجسد فكرة الروح فى أشعاره التى كانت تصل إلى كل من يقرأ أشعاره.
كما قال أبو سنة أن "طاغور" كان لا يحب الموت لأنه احتمل منه الكثير، فهو فقد زوجته ووالده وابنائه الثلاثة، لذلك كان يحاول أن يجعل شعره ينبض بالحياة.
هذا وقال الشاعر محمد عبد المطلب إن طاغور والشاعر المصرى أحمد شوقى كلاهما عبر من خلال أشعاره عن نفس المرحلة التاريخية خلال الحرب العالمية الأولى، كما أنهما يمثلان قيمة إنسانية وحضارية، وإذا كان طاغور قد توج مسيرته الشعرية بحصوله على جائزة "نوبل"، فإن شوقى قد توجها بحصوله على لقب "أمير الشعراء".
وأكد الشاعر حسن الطيب أن الحديث عن "طاغور" و"شوقى" هو الحديث عن حضارتين وثقافتين، فالتراث الهندى والمصرى ثريان بالأعمال العظيمة الخالدة التى علّمت البشرية كلها، والتى تُلهم الكثير حتى يومنا هذا.
وأضاف الطيب أن شوقى عندما كان يتكلم على الحضارة الهندية كان يتكلم عن حضارية منافسة للحضارة المصرية، وفى روايته "عذراء الهند" كان يتحدث عن الحضارة والقيمة التى يمثلها الإنسان وقيمة المقاومة المتمثلة فى الهند، وفيها يؤكد أن الدين عندما يستبد ويستخدمه البعض لتحقيق اغراض دنيوية فهو يكون هادم للحضارات، وهو ما كان يؤمن به "طاغور" فى رفضه للتعصب الدينى. فهما شاعران كبيران عبرا عن قيمة واحدة كبيرة.
هذا وقد ختم الشاعر حلمى سالم اللقاء بقصيدة "دمشق" للشاعر أحمد شوقى تحية للانتفاضة الشعبية فى سوريا. وقدم الدكتور شاكر عبد الحميد درع المجلس إلى السفير الهندى فى مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة