حكى لى عم فهمى، أحد مديرى القطاع العام، كيف شاهد بعينيه تخريب شركة أسكو للغزل على أيدى "أعداء مصر"، كما وصفهم، رغم أنهم مصريون.. فقال لى، لقد صدرت الأوامر من فوق فوق فوق بأن يتم تعطيل الإنتاج فى المصنع بكل الطرق والوسائل، حتى يتسنى للحكومة بيع المصنع، فقامت الإدارة باستخدام المنتفعين من العمال والإداريين وشلل الحرامية ومحبى جمع المال من كل طريق فى تحطيم وتعطيل ماكينات الإنتاج الحديثة، وتخريب الماكينات نصف العمر.. وقاموا بسرقة مخازن قطع الغيار.. وعلى طريقة "إن خرب بيت أبوك خدلك منه قالب"، قام عدد كبير من العاملين فى المصنع بسرقة أجولة الغزل عياناً جهاراً وبيعها لأصحاب المشاغل والمصانع الصغيرة.. وفى النهاية قام المخربون بتحطيم جميع مكاتب وكراسى ودواليب الإدارة حتى تأتى لجان الحكومة فتقيّم أسكو بعشر قيمتها الفعلية، ثم باعوها وباعوا غيرها حتى سقطت مصر كلها فى هذا الفخ، ولم يعد لنا شىء من صناعة وطنية عظيمة بدأت فى أربعينيات القرن الماضى وأخذت الحكومة الملاليم من قيمة هذه المصانع العملاقة كى تضعها فى أماكن أخرى، مثل توشكى ليسرقها حرامية وأفاقون جدد، وتصبح مصر خراباً ويحيا شعبها على الحديدة.. ويزداد الذين يملكون مالاً وتهوى الملايين فى هاوية الفقر.
اليوم بدأت أحكام القضاء فى استرداد بعض هذه الشركات مثل عمر أفندى، طنطا للكتان، شبين الكوم للغزل والنسيج، المراجل البخارية إلخ... وهو ما يوحى بأن الأمل باقٍ فى استعادة الصناعة الوطنية لقيمتها وعودة مصر إلى مصاف المصدرين والشعب المصرى لمكانه بين المنتجين، ولنا الأسوة بالنموذج التركى الذى أصبح تاسع العالم اقتصادياً.
والآن ونحن نحاكم مبارك والفاسدين من نظامه، علينا أن نفتح ملفات بيع القطاع العام ولنبدأ فى محاكمة رؤساء الوزارات والوزراء ونوابهم ورؤساء مجلس إدارة كل الشركات المباعة ومديريها وكل من شارك فى هذه الجريمة الشنعاء فى حق مصر، وكل من ساهم فى تجويع شعبنا وحرمان أبنائنا من حق العمل والكسب، وكان سبباً فى هجرتهم لها يتيهون فى الأرض يبحثون عن الرزق بالمذلة والقوت المرّ حتى كرهتنا شعوب الأرض وأهاننا القاصى والدانى، بينما تنعم قلة فى مصر بخيرها ومستشرون عرب وأجانب بنعيمها وشعبها محروم من كل شىء.
ونعود لعم فهمى، الذى يكمل حديثة قائلاً، لقد سرحونا من القطاع العام ونحن فى عزّ شبابنا وعطائنا وأعطونا الملاليم فذهبنا للعمل فى القطاع الخاص برواتب أكبر ولكنهم امتصوا دماءنا وعرقنا وضربونا بـ"الشلوت"، فقد رأيت بعينى صاحب مصنع سورى يضرب العمال بـ"الشلوت" ويسبهم بأمهاتهم ويلعنهم فى وطنهم، ومن يشتكى من العمال حتى يحصل على حقه كانوا يشترون موظفى مكاتب العمل وأقسام الشرطة ويتم تلفيق القضايا للعمال فيضطروا لترك العمل دون الحصول على أى حق لهم.
هذه كلها نماذج ونتائج لبيع القطاع العام وتدمير حق شعب مصر فى الحياة، ولكن للأسف كل هذا حدث بأيدينا نحن المصريين، ولم تأت عناصر فاسدة أو مخربة هى من الخارج لتفعل ذلك، فكيف هانت علينا مصر وكيف هنّا على أنفسنا!.
ولا نملك إلا أن نقول لكل من ساهم فى خراب مصر ومن سرق حبة رمل واحدة من أرضها، "من يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، لقد فرحتم حين سرقتم غنيمتكم، واليوم نسيتم جريمتكم، وغداً حسرة وندامة، فهلا أفقتم وأعدتم للشعب ما سلبتموه إياه وشهدتم شهادة حق على كل من شارك فى هذه الجرائم، وأذكركم أنكم مصريون ومصر تحتاج منا جميعاً أن نقف إلى جوارها كى تستعيد شيئاً ولو قليلاً من الكرامة والعزة والتاريخ والقوة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة