ســـلامـة الـــــرقـيعـى يكتب: وصـــمة غــــــدر

الخميس، 29 سبتمبر 2011 06:28 م
ســـلامـة الـــــرقـيعـى يكتب:   وصـــمة غــــــدر صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ أن خلق الله البشر وهم فى صراع بينهم وبين أنفسهم، بغية الحصول على الغلبة، فينتج من هذا الصراع البقاء للأقوى حسب نظرية داروين، أو البقاء للأصلح حسب تصنيف العقل المركب فى البشر القادرين على التمييز.

وأى مجتمع يبنى حضارته ويؤسس أركانه يحتاج إلى توافق على مكونات تلك الأركان، حتى يستقيم البناء ويطول أمده، ويبعث على الطمأنينة دون ترقب انتكاسة، وإذا حلت به كارثة تجده قادراً على المقاومة دون أن تسرى الهشاشة فى دعائمه.

وإذا كان المجتمع ذاته، الذى يحتوى طرفين أو أكثر كل يريد أن يساهم فى البناء بطريقته، ويتعجل على إتمامه قبل أن تأتيه فى ظنه معاول الهدم من أطراف أخرى مستترة أو ظاهرة، فيعمل على الحد من مخاطرها إما بقتلها لكى يخلو له الجو كما قال الشاعر:
ألا خلا لكى الجو فبيضى واصفرى ونقرى ماشاء لك أن تنقرى
قاصداً بذلك أن تخلو الساحة من المتنافسين وتهيئة المكان لينفرد فيه من ينفرد، يمكن أن يهيئ الجو المناسب للبناء دون تعطيل، لأن الطرف المعاكس فى ظنه أصبح منعدماً.

الأمر الآخر هو أن يكون لدى هذا المجتمع الراغب فى بناء نفسه القدرة على نفى الخبث منه، واليقظة من مظنة الغدر من الأفراد أو الجماعات، فيصحح مساره عن طريق صندوق الاقتراع، حيث إن المنهج الديمقراطى يعالج أخطاءه باعتبار إرادة الشعب تكون فيه ظاهرة وعميقة فى اختيار قيادته وممثليه، فمنكم وإليكم فهذا حاكم استنبطه الشعب من نفسه، وذاك محكوم رضى بولايته عليه بارادة حرة غير منقوصة.

وبين حالة الثورة التى تتطلع إلى لملمة شتاتها قبل أن تتوه معالمها فى ظل غياب قيادة موحدة يلتف عليها الجميع فتحتويهم، وبين عدم وضوح المعالم والمبادئ التى يمكن الاسترشاد بها لتطبيقها ولو نظرياً كمبادئ ثورة يوليو1952، وبين فئة نصبت من نفسها قيماً على المجتمع دون أن يكون لها التفويض الممنوح ديمقراطياً، لاكتساب الصفة الرسمية فى الإنابة عن جموع الشعب، وبين محاكمات تتم لرموز نظام سقط مع ثورة شعب لم يقم له أعواد المشانق، بل ارتضى أن يحاكم حكماً طبيعياً تحت مظلة قضاء ثابتة أركانه، دون استحداث حالة استثنائية، وبين حالة غرام بحالة الفوضى التى تمر بها البلاد واختلاط الحابل بالنابل وكل يريد أن يجد له مكانة يطل منها على الشعب دون أن يمارس مهامه كشعب، وبين حالة انتقام من كل ما سبق وإن كان فيه ما يساعد على البناء.

بين كل هذا وغيره يأتى طلب إحياء قانون الغدر للعمل بمقتضاه فى الظروف الحالية ليكون وصمة فى جبين الثورة لأنها عجزت على أن تضع قانوناً لنفسها، بل بحثت فى دفاتر قديمة ليست لها ولا هى من صنيعها، هذا إذا كان حقاً جموع الثائرين ومن ورائهم الشعب بتفويضه الممنوح لهم هم من أرادوا تطبيقه.

أما إذا كانت هناك فئة بعينها وجدت فيه ما يشفى غليلها، وتود أن تمارس دوراً يسجله التاريخ فينبغى أن ننظر بموضوعية إلى هذا الشأن، حيث إن فيه محل نظر من البعض، خصوصاً أن هناك اعتراضات من أطراف مخلصة تبتغى لهذا الوطن أن يصل إلى بر الأمان، ونود أن نورد بعض الملاحظات لعل فيها ما يمنح فرصة لمراجعة الذات قبل السطو على حقوق الغير ومنها:
• الغدر فى اللغة ضد الوفاء بالعهد وقديماً قالوا: الذئب غادر أى لا عهد له كما قالوا: الذئب فاجر وإذا كان هناك غادر من الشعب ممن تم حسابهم على النظام وتحدد لهم بنود اتهام فى قانون الغدر فإن هناك مغدورا من الشعب أيضاً، ولكن لم يكن بين الفئتين عهد حتى يغدر بعضهم ببعض، ولم يكونوا فى مظنة الاتهام به بشمول مخل.

• وإذا كان المنافق إذا عاهد غدر فإن العهد بين الطرفين لابد أن يودع لدى من يحكم على أحدهم حتى تصل العدالة إلى منتهاها، وإذا كان من تولى كبر هذا الفساد وتلك الجرائم تجاه الشعب هو الرئيس السابق ورموز نظامه، فإن الاكتفاء به يمثل إحقاقاً للحق، حيث قال عز وجل: ( والذى تولى كبره منهم له عذاب أليم)، فإن الفساد إذا كان برعاية الحاكم فتكفى محاكمته هو وأعوانه بعد ضبط القيد والوصف المتعلق بشأن المتهمين وتصنيفهم بضوابط يتحقق فيها ميزان العدالة دون تخبط.


ولو افترضنا أن قوماً فى بلدتك أجرموا وارتكبوا فعلاً مؤثماً، فهل يحكم على جميع أهل البلدة أنهم اقترفوا ذلك الفعل أم أن الجريمة والعقوبة شخصية ولا تتعدى إلى الغير إلا بقدر المشاركة فى الفعل؟ لأن الاتهام المطلق فيه ظلم، كما أن البراءة المطلقة لا تحقق العدل، وليس كل الناس فى مساوة فى الاتهام واللعن، حيث حدد الله عز وجل العلة الموجبة للعن فى قوله: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ وبمراجعة القانون المزمع تطبيقه يمكن أن تندرج تحته حالات لا حصر لها، ليس لمرونته ولا لروح نصوصه ولكن لتعدد تفسيراته وسعة تأويلاته ومنها:

• أن القانون صدر فى ظل حقبة كانت فيها البلاد تحت الاستعمار البريطانى، فكانت الخيانة خيانة للوطن مع محتل، وهناك عهد طبيعى بين المواطن مع وطنه لا يفرط فيه.
• باستعراض مواد القانون نجد أن الاتهام يطول كل من كان مكلف بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب جريمة الغدر بعد أول سبتمبر سنة 1939، حيث حددت المادة الأولى الأفعال المعاقب عليها ومنها:
أ- عمل من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التعاون فيها أو مخالفة القوانين.
بـ - استغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة ذاتية لنفسه أو لغيره من أية سلطة عامة أو هيئة أو شركة أو مؤسسة.
جـ - استغلال النفوذ للحصول لنفسه أو لغيره على وظيفة فى الدولة أو وظيفة أو منصب فى الهيئات العامة أو أية هيئة أو شركة أو مؤسسة خاصة أو الحصول على ميزة أو فائدة بالاستثناء من القواعد السارية فى هذه الهيئات.
وباستعراض الفقرات الثلاث نجد أنها اتسعت لتشمل الجميع حتى من أجبر على فعل أو عدم فعل ناتج عن ضغوط رسمية أو شعبية باعتباره صاحب ولاية عامة كممثلى الشعب ممن يقوموا بتلبية رغبات ناخبيهم فعلى سبيل المثال يندرج تحت ذلك:

• جميع أعضاء مجلسى الشعب والشورى ممن قاموا باستخراج قرارات علاج على نفقة الدولة تسهيلاً لأبناء دائرتهم، بدلاً من طول الانتظار وكذا كل موظف عام يؤثر فى الناس بحكم وظيفته فيقوم بتسهيل مهمة له أو لغيره تتمثل فى خرق قانون أو التجاوز عن تطبيقه، أو تحصيل منفعة عاجلة مستغلاً لتلك الوظيفة.

• جميع أعضاء المجالس النيابية بانتماءاتهم الحزبية والمستقلين، ممن قاموا بتزكية طلبات أبناء دوائرهم، وحصلوا لهم على وظائف وكذلك على الخدمات العامة، وإدراجها ضمن خطة الدولة استثناء من القواعد العامة، حيث إن النائب إن لم يستجب لطلبات ناخبيه أو لم يقم بتزكيتها فإنه يعد مجرماً فى حقهم، وإن لجوءهم إليه يعد جريمة يفترض أن يتم محاسبتهم عليها باعتبار الطرفين من الغادرين ومعهم الجهة التى توافق على تلك الطلبات، حيث إنها فرطت فى قواعدها العامة لمثل تلك الحالات وقس على هذا وغيره الكثير.
• جميع من بلغ سن الثمانية عشر عاماً، ولم يقم بالإدلاء بصوته فى الانتخابات على تعاقبها، حيث ترك المجال لإتاحة التزوير على نطاق واسع فأثر سلباً فى النتائج مما يعد إفساداً للحياة السياسية، فأنتجت نواباً أو ممثلين على غير إرادة شعبية.

• جميع رؤساء اللجان العامة والفرعية وأعضائها ممن تركوا التلاعب يستشرى فى أروقة تلك اللجان، ولم يقوموا بدورهم فى أعمال المراقبة على صناديق الاقتراح وما يتبعها.
وماذا يمكن أن يتم مع بعض فئات الشعب ممن انتسبوا للحزب الوطنى إجباراً أو اختيارا،ً لتحقيق منفعة أو دفع مضرة فى اعتقاد من ورائهم سواء ناخبين أو عصبة لهذا أو ذاك، لقرب الحزب من السلطة، حيث كانت له صفة شرعية، فهل يحاسب الجميع وهم ليسوا من قياداته ولا أصحاب التأثير فى مجريات الحياة السياسية؟ وهل من مات تنقضى الدعوى الجنائية فى شأنه أم تكون لورثته من بعده فيوصموا بها؟ وهل كل من صدرت ضدهم أحكام نقض وتقارير خاصة بالانتخابات من بداية دستور 1971، الذى سقط وأرسلت إلى مجلس الشعب أو الشورى بأن غيرهم أحق بالنيابة يندرجوا تحت طائلة القانون؟
وهل الأفعال التى يقوم بها المكلف بأية خدمة عامة، ولم تكن من نتيجتها الإضرار بمصالح البلاد تطبق عليه تلك العقوبات الواردة فى المادة الثانية من القانون؟.

تساؤلات كثيرة وآراء متباينة تجاه قانون أقل ما يوصف به أنه تأسيس لحالة غدر يمكن أن تسود بين فئات كثيرة من المجتمع، ليس فيها تسامح، وتتجاوز مرحلة الحق والعدل إلى مرحلة الشطط فى العقوبة إلى حد التمثيل بالجثث بعد إعدامها.

فهل الشعب الذى كان يريد، أصبح عاجزاً عن مواصلة الإرادة، ويكون هو الذى يفصل فى صحة عضوية أعضائه ويكون سيداً لقراره بكل فئاته؟ أم أنه غائب عن الساحة ولا تتاح له فرصة التعبير عن إرادته عبر صناديق الاقتراع فيطهر نفسه، ويلفظ ما من شأنه أن يلوث مسيرته ويعطل بناءه؟ أم أنه أناب عنه من يتحدثوا باسمه قبل أن تتضح معالمه، ويستقر أمره على النحو الذى يأمل من مرحلة لها ما بعدها ويكتبها التاريخ فى سجله بيضاء نقية دون تلوث باتساع دوائر الانتقام، ويأخذ طريق العفو والتسامح والإعراض عن الجاهلين طريقاً، ولعل الرد على تلك الأقوال فيه مظنة الإنابة عن الشعب فهل تركناه وحريته ليلتقط أنفاسه أم أنها حرية حمراء لها باب بكل يد مضرجة يدق!.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة