يقول الله تبارك وتعالى فى كتابه الكريم: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) – النساء 11، هنا يقرر التشريع القرآنى الحكيم نصيب كل من الذكر والأنثى فى إرث من توفى من ذويهم الأقربين؛ الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت، يرث الأخ ضعف الأخت.
منذ فترة ليست بالقصيرة تعالت الأصوات المنكرة مطالبة بتبديل وتغيير هذا التشريع الإلهى، الذى يعطى للرجل ضعف حظ الأنثى، وتسعى بعض الجهات والعديد من المفكرين والكتاب إلى تعديل نصيب المرأة فى الإرث ليصبح مساويا لنصيب الرجل، أى يطالب هؤلاء بتغيير ما شرع الله لعباده، لكى تتحقق المساواة – حسب ظنهم – بين الرجل والمرأة فى المجتمعات الإسلامية، وفتحت بعض الجرائد والمجلات صفحاتها ليكتب فيها كل من هبّ ودبّ، كأن المساواة لن تتحقق للمرأة مع الرجل إلا بتبديل كلمات الله، ونقض القانون الإلهى بالأخذ بما وضعه هؤلاء دون أى اعتبار أن ذلك كفر صريح بما جاءت به آيات الذكر الحكيم!
وأقل ما يقال عن هذه الحملات المنسقة؛ توقيتا وهدفا، أنها لا مكان فيها لحسن النية، والهدف الأساس منها تشويه صورة الإسلام وصورة نبى الإسلام، وتدمير صورة صحابته رضوان الله عليهم؛ الذين أوصلوا لنا الدين، هذا فى الوقت الذى يدخل فيه الناس فى الإسلام أفواجا رغم أنوف أعدائه والمتربصين به.
وعَود إلى إرث المرأة فى التشريع الإسلامى الحكيم، يجب أن نلاحظ عدة اعتبارات:
أولا: فى معظم حالات التوريث؛ سيكون الوارث إخوة ذكورا وإناثا لأب توفى، أو أم توفيت، فإذا كان المتوفى هو الأب، فإن الأخت تصبح منذ وفاة أبيها تحت رعاية أخيها، يتكفل بطعامها وشرابها ومسكنها وكسوتها وتعليمها، فإذا آن أوان زواجها؛ زوّجها أخوها وأنفق عليها حتى تصبح فى ذمة زوجها، فيتولاها زوجها بالرعاية والإنفاق، وضعا فى الاعتبار أن التشريع الحكيم قد قرر أن لها منذ زواجها ذمتها المالية المنفصلة عن زوجها، ومن قبل عن أخيها الذى ورثت نصف ما ورث، فمن أين لأخيها أن ينفق عليها، فى ذات الوقت الذى لها أن تحتفظ فيه لنفسها بكل ما ورثت؟ إلا أن يتكفل الشرع الحكيم أن يرث أخوها ضعف ما ورثت..
ثانيا: إذا أخذنا فى الاعتبار عند الزواج وجوب التقارب الاجتماعى، والتكافؤ المالى بين العائلتين، فإن الرجل الذى سيرث واحدا صحيحا سيتزوج من امرأة ورثت نصفا، فيكون الناتج واحدا ونصف، وكذلك أخته التى ورثت نصفا ستتزوج من رجل ورث واحدا صحيحا، فيكون الناتج أيضا واحدا ونصف.
ثالثا: وهى حالة شائعة منتشرة فى مجتمعاتنا؛ وقد تحدث فى معظم البيوت، الأب الشيخ الكبير مريض وطريح فراشه، بعد أن بلغ من العمر أرذله، وقد تكون الأم كذلك، وأصبح تمريضهما ورعايتهما فى كبر سنهما وعجزهما مهمة تستدعى قوة جسمية إلى حد كبير، إذ يحتاج الأب إلى من يحمله، ويضعه فى فراشه، ويقلّبه، ويطعمه، ويمرّضه، ويبدل له ثيابه، وكل هذا فى إمكان الرجل أن يفعله بما آتاه الله من قوة الجسم؛ إحسانا لوالديه ورحمة بهما وتقربا إلى الله، أما الأخت فإنها بالكاد تستطيع أن توفى احتياجات بيتها وزوجها وأبنائها، وقد يكون زوجها أيضا ذا أب كبير أو أم عاجزة، فتساعده زوجته وتدفعه إلى رعاية والديه، بل وترعاهما معه، فإذا ما قيّمنا على المستوى المادى والبدنى من يرث أكثر؛ لأدركنا أن حكمة التشريع أعطت للرجل ضعف ما ورثت أخته لقاء ما بذل من مجهود مضنٍ مضاعف فى حياة أبويهما، لم تكن أخته تستطيع أن تبذل نصفه!!
وهنا تتحقق المساواة والعدل فعلا فى أسمى صورهما، ولا عجب.. فالله تبارك وتعالى أعلم بنا من أنفسنا، (قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)، صدق الله العظيم، – الإسراء 96.
أما ما يقع من الظلم على المرأة فهو قطعا ليس سببه هذا التشريع الأمثل، ولكن بسبب عدم تطبيقه من قـِبَل الورثة الذكور بجهلهم أو بطمعهم، فلا يؤتون النساء نصيبهن المفروض من الإرث، وهذا التصرف من بعض رجال الأمة لا يعيب التشريع وإنما يدل على سوء التطبيق، وتمكن ثقافة الجشع والطمع والكذب عند البعض الذين من المؤكد أنهم يرتكبون – بمنطق صحيح الدين – كبيرة من الكبائر، أنذرهم القرآن بسوء العاقبة وقسوة العقاب، يقول تعالى فى الآية التى سبقت آية حظ الأنثيين: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) – النساء 10.
إن الفهم الصحيح لآيات القرآن، وتطبيق شرائع الله تطبيقا صحيحا، والتزام الرجال أشقاء كانوا أو أزواج أو سوى ذلك، بأحكام الله عز وجل هى جميعها الضمان الأمثل ليعم الخير ويسود الوئام والحب والعدل فى مجتمعات الناس كافة، والله من وراء القصد.
مصحف
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يحي سالمs
الفهم السيء للشريعه في كل شيء
عدد الردود 0
بواسطة:
ماجد
شكراً على هذا الكلام الرائع
عدد الردود 0
بواسطة:
المقدم
موافق
عدد الردود 0
بواسطة:
مؤمن عبد ربة
وماذا عن
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح
الحق يسود لا محالة
عدد الردود 0
بواسطة:
هنا
قضية شائكة
عدد الردود 0
بواسطة:
merghenis
إلى صاحب تعليق رقم 4
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو خربوش
فعلا فعلا
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
فقدان البصيرة وسواد النفس
عدد الردود 0
بواسطة:
ولاء المصري
شكرا للموضوع الوافى الرائع أستاذة مجد خلف .. والى تعليق رقم 1