"إذا كانت الأحزاب الإسلامية وغيرها من الأحزاب لها الحق فى أن تنعكس معتقداتها الدينية على قناعاتهم السياسية، وإذا كانت الأحزاب الإسلامية تضمن من خلال الدستور احترام حرية الاعتقاد وحرية الممارسة لغير المسلمين أو لكافة أنواع المسلمين، فنحن إذن لا نرى أى تهديد جوهرى على الديمقراطية"، هكذا أوضح جيمس وات السفير البريطانى لدى القاهرة لماذا لا تشعر بلاده بالقلق من وصول الإسلاميين للحكم فى مصر.
وقال وات خلال حواره مع النسخة الإنجليزية لموقع "اليوم السابع" إنه لم ير أى قلق فى بريطانيا إزاء تولى الإسلاميين الحكم، مضيفا "نحن نريد أن تأخذ مصر تلك الفرصة التاريخية التى تحدث مرة واحدة فى القرن وأن تطور دولة حديثة ذات مؤسسات حديثة، تمارس خلالها السلطة بتعقل وتخضع لكل الضوابط والتوازنات الخاصة بالدولة السياسية الحديثة".
وحول ما إذا كان وصول الإسلاميين للحكم سيؤثر على المساعدات البريطانية لمصر، أكد أنه لا يوجد أى شىء يؤثر على تلك المساعدات، فهى متينة وطويلة الأمد ومصممة من أجل بناء الكفاءات بالمجتمع لتلبية احتياجاته.
وأضاف أن بلاده لا يهمها تحديدا أى حكومة تصل للحكم، "طالما تريد تلك الحكومة من بريطانيا أن تستمر فى تقديم هذا النوع من الدعم،وطالما أنها تقدم النتائج التى نظن جميعا أنها المطلوبة".
وتحدث عن الانتقال للديمقراطية قائلا: إنها ليست ممثلة فقط فى البرلمان ولكن أيضا فى استقلال القضاء وفى الدفاع عن دور القانون الذى يحدد ما ينص عليه الدستور.
وأضاف وات أن الدستور المستقبلى لمصر سيكون أمرا حرجا، "إذا تمسك (الدستور) بالحريات الفردية بمفهومها الكامل، فإذن الديمقراطية ستكون مبنية على أساس راسخ".
وأشار إلى أنه إذا كان هناك تمييز ضد حقوق الأفراد أو إذا شعرت أحد المجموعات الدينية بأنها لها أفضلية وحرية أكثر من الجماعات الأخرى فذلك سيفسد الديمقراطية، فلا يمكن بناؤها على تلك المبادئ.
وحول عملية إنعاش قانون الطوارئ فى مصر من جديد، قال السفير البريطانى إن الجميع يعلم أن قانون الطوارئ كان أحد أهم الموضوعات التى أثيرت خلال الثورة، وكان قد ترك غير مفعل لفترة، ولكن الآن قد تم إعادة إحيائه بشكل ما.
وأضاف "ليس لى أن أعلق على ما تريد أن تفعله السلطات المصرية، ولكننا سنكون قلقين إذا تم إساءة استخدام أى سلطات وفقا لقانون الطوارئ". وأشار وات إلى أن بريطانيا تتفهم أنه خلال الفترة الانتقالية سيكون هناك بعض البقايا التشريعية التى لم يتح الوقت لاستبدالها، قائلا إن مصر تمر الآن بفترة انتقالية من مرحلة لأخرى، وما بين هاتين المرحلتين سيكون هناك بعض الفوضى، مضيفا "نأمل أن تمر تلك المرحلة الانتقالية بسلاسة".
وأوضح أن تلك المرحلة لم تمر بالسلاسة التى كان يأملها الناس، ولكنها لابد ألا تستغرق فترة طويلة لأنها تترك البلد تحت ضغوط المطالب بضرورة إيجاد نتائج محسوسة.
وقال وات "بعد انتخاب مجلس الشعب وعندما تتولى حكومة مدنية ويتنحى المجلس العسكرى جانبا ممهدا الطريق لتلك الفترة، ستكون تلك اللحظة لتطوير القوانين وتحقيق العدالة الجنائية، وقوانين الشرطة، وغيرها، الأمر الذى سيساعد على ملء الفجوة الكبيرة الموجودة الآن".
وأضاف أنه وقتها يمكن أن يتم التخلص من قانون الطوارئ، ولكن حتى هذا الوقت "فأنتم عالقون مع قانون الطوارئ لحين ظهور قوانين جديدة"، "ولكن من المهم أن يتم استخدامه باعتدال وبحكم جيد، وبحس إنسانى، وتجنب حدوث الانتهاكات التى وقعت فى السابق".
وأشار السفير البريطانى إلى أن كل إشارة تصدر عن المجلس العسكرى توضح أنهم يريدون تسليم السلطة لحكم مدنى، مضيفا "هم يقولون ذلك كثيرا ونحن نصدقهم، ويقولون إنهم غير مجهزين للتعامل مع أى شىء أكثر من مشاكل الفترة الانتقالية القصيرة"، "ونحن لسنا قلقين بشأن ذلك لأننا نؤمن أن الجيش صادق".
وأضاف "لقد تحدثت مع المشير طنطاوى وأعلم جيدا أنه صادق حيال كون الأوضاع تحتاج إلى أسس راسخة ومناظرات شعبية وقرارات برلمانية للتصديق عليها من أجل عملية بناء دولة ديمقراطية".
وأشار السفير البريطانى إلى أن الوضع صعب بالنسبة للجيش وللقوى السياسية الذين وجدوا أن الأمر محبط، وأن هناك الكثير للتحاور بشأنه والكثير للمحاربة من أجله، "ولكننا نأمل أن تصلوا إلى عملية إجراء الانتخابات قريبا، ونأمل أن تحصلوا على حكومتكم المستقرة والموثوقة كنتيجة للانتخابات".
وحول إمكانية تحقيق الانتقال للسلطة المدنية رغم تأكيدات الجيش بأنه سيحمى علمانية الدولة، وكيفية قيامه بذلك دون البقاء فى السلطة، قال وات إن هذا السؤال يناقشه الكثير من الناس بشكل يومى، "كيف يمكن للسلطة المؤقتة أن تسلم الحكم بطريقة تحمى المبادئ الأساسية للدولة والتى يؤمن الجيش أنها ضرورية".
وأضاف وات أن المجلس العسكرى يؤمن بأن الدستور المدنى ضرورى من أجل أمن الدولة، والتطور المستقبلى.
مضيفا أن الوضع ليس مخيفا وأنها مشاكل طبيعية تواجه السلطات والقوى السياسية خلال الفترات الانتقالية، وأنه من الطبيعى أن يكون للمجلس العسكرى آراء قوية لأمان الدولة يعتمد على دستور مدنى، "ربما لأنهم رأوا الدول التى اختارت طريقا آخر".
وفيما يتعلق بعملية استرداد الأموال المهربة للخارج قال وات إن الجانب المصرى يعمل بجد على هذا الأمر ولكن حتى الآن لا يوجد تطورات فى الأمر من جهتهم، أو أن هناك تطورات ولكنهم لم يخبرونا بها.
وأضاف أن هناك فريقا كامل فى لندن يعمل على هذا الأمر، وأنهم يتواصلون بانتظام مع زملائهم المصريين، وقال "لا أعتقد أنه تم إحراز تقدم كبير فى عملية تحديد واكتشاف أماكن التفاصيل الخاصة بالحسابات الشهيرة"، فهناك تريليونات الأصول الموجودة فى لندن للشركات وغيرها ومن الممكن أن تكون مخبأة"، موضحا أن بريطانيا لديها تشريع قانونى ضد غسيل الأموال، وهذا يعنى أن كل البنوك البريطانية تراقب كل شىء، وإذا أبلغتهم الحكومة بقرار تجميد أصول أموال أحد الأفراد فذلك ينجح طالما نعلم أن هذه الأموال ملك لشخص محدد.
وأشار إلى أن الأمر فى النهاية يحتاج لأمر محكمة، فهى التى ستقرر إلى من تعود تلك الأصول وما إذا كان من الممكن نقلها إلى جهة أخرى أم لا، وحول الإجراءات الخاصة بإصدار التأشيرات البريطانية، قال إن المعايير الخاصة بالتأشيرات لم تتغير بعد الثورة المصرية، وسنبذل قصارى جهدنا من أجل جعل تلك العملية أسهل.
وأوضح أن نسبة التأشيرات التى يتم رفضها أقل من 10%، كما قال السفير البريطانى إن عدد الطلبات المقدمة لطلب تأشيرة الزيارة لبريطانيا شهد زيادة بنسبة 20% بعد الثورة.
وحول مستقبل الاستثمار بين البلدين قال وات إن المستثمرين البريطانيين يريدون أن يعملوا فى مصر، ويرون أن بها إمكانيات كبيرة للاستثمار، "مصر لابد أن تكون قوة كبيرة فى مجال الاقتصاد".
وأضاف أن القطاع الصناعى أيضا يمكن أن يتم تحقيق المزيد به، فالعامل المصرى جيد، ولديه سمعة جيدة فى العمل، مشيرا إلى أنه من خلال قطاع الطاقة يمكن لمصر أن تكون قوة صناعية مؤثرة قريبا.
وحول ما إذا كان رجال الأعمال البريطانيين قد واجهوا أى مشاكل تتعلق بعملهم فى مصر خلال الفترة الماضية، قال إنهم مثلهم مثل أى رجال أعمال واجهوا بعض الصعوبات من جراء البطء فى العملية الإدارية بعد الثورة، مثل التأخر فى دفع بعض المستحقات أو غيرها، مضيفا أن تلك المشكلات تم التفاوض حولها بنجاح مع الحكومة المصرية والشركات، وأن الأوضاع فى تقدم.
وقال "أعتقد أن الأمور تسير ببطء فى عملية اتخاذ القرار على مستوى الاقتصاد بشكل عام"، "ورسالتى إلى الوزراء والأصدقاء فى مصر هو ألا يجعلوا هذا يتسبب فى أذية الاقتصاد، وتأكدوا من الاهتمام بتلك الأمور"، والوزراء واعون تماما لهذا الأمر.
وحول التغير فى العلاقات بين البلدين بعد مجىء حكومة انتقالية جديدة بعد الثورة، قال إن بريطانيا كان لها علاقات ممتازة مع الحكومة السابقة، ولكن لم يكن هناك علاقات شخصية مع الرئيس مبارك، "كان لنا علاقات صداقة وعلاقات صائبة، ولكنها لم تكن من نوعية العلاقات الشخصية المقربة التى كانت (لديه) مع بعض الدول".
وأضاف "هذا جعل الأمر أسهل على ما أظن، فعندما حدثت الثورة، كنا قادرين على إعلان دعمنا الفورى لها". وأوضح وات أن الدعم المالى الذى قدمته بريطانيا إلى مصر يأتى غالبيته فى صورة استثمارات، مؤكدا أن استثمارات القطاع الخاص أهم مائة مرة من المساعدات المباشرة، لذلك فالحفاظ على استمرار الاستثمارات وزيادة ثقة المستثمر يعد جزءا هاما من إستراتيجية مصر.
وأضاف المساعدات التى أقرتها قمة الثمانية الكبار لدول الربيع العربى لن تأتى فى صورة تحويلات إلى الميزانية أو أموال مباشرة، ولكنها فى شكل اعتمادات مالية، أو قروض من أجل تنفيذ مشروعات بنية تحتية.
موضحا أن المساعدات التى تم تقديمها على المدى القصير تتضمن إمكانية الحصول على قروض من صندوق النقد الدولى بفائدة قليلة تتراوح ما بين 1.5% إلى 3%، "والتى اعتقدنا انه كان عرضا جيدا، ولكن الحكومة المصرية قررت ألا تأخذ هذ القرض كما تعلمون".
وأشار إلى أن عددا من الخبراء الماليين رأوا أن مصر أضاعت فرصة فى هذا العرض، لأنها كانت ستساعد على استقرار السوق.
وأضاف "ولكن الحكومة المصرية لم تأخذها ويوجد الآن انخفاض فى احتياطى الدولة، وهو أمر حرج ولكن يمكن أن يتم التعامل معه، وهذا مثال بسيط حول كيف يمكن لفعل صغير أن يكون جيدا، كما أن التوقيت هام بقدر أهمية الكميات التى يتم تقديمها".
وقال "آمل أن تأخذ مصر تلك العروض فى الحسبان"، حيث هناك أيضا عدد من القروض المتاحة لمصر من البنك الأوروبى للتنمية والتعمير، ما أن تجهز الحكومة المصرية بعدد من الخطط للمشروعات المطلوبة.
وأوضح أن هناك وزارات قامت بالفعل بتقديم خطط واقتراحات لمشروعات مثل وزارة التعليم، حيث لدى الوزير خطط رائعة تتعلق بكل القطاعات: تدريب المدرسين وتطوير المدارس وتحسين التعليم فى المناطق الريفية وصولا إلى التعليم العالى والبحث العلمى.
وأضاف أنه من خلال التعاون الفنى يمكن استخدام الخبرة التى تمتلكها بريطانيا مع عشرات الملايين من الأموال التى يتم توفيرها من أجل إحداث إصلاحات فى بناء المزيد من الكفاءات والمهارات لتحديث الاقتصاد، مشيرا إلى النموذج المصرى فى الاقتصاد كان قليل الاستثمار فى العنصر البشرى.
وقال إن وزارة الداخلية ترى أنه يمكنها التعلم من تجارب بريطانيا فى كيفية تنظيم قطاع الشرطة، وكيف يمكن أن تستوعب قوات الأمن المعايير الحديثة لحقوق الإنسان، ولكن حتى الآن لم يتم اتخاذ قرارات بهذا الشأن، وأضاف "أعتقد أنه من المهم على الصعيد السياسى معرفة أن الوزارة تريد التحرك فى هذا الاتجاه".
وتعليقا على بعض الأصوات فى أوروبا والغرب التى تقول إن مصر ستصبح إيران أخرى، قال وات "هذه الآراء ليست مبنية على أى حقائق أو معرفة جيدة لمصر".
وأضاف أنه على العكس تماما، حيث يجد أن مصر فى هذه اللحظة مثيرة جدا فهى بلد يأخذ أهلها الدين بجدية، ولديهم مبادئ أخلاقية، فالشخص قد يكون مسلما أو مسيحيا أو ليس متدينا ولكن الجميع يأخذون السلوك الأخلاقى بجدية.
وأضاف "نحن الآن فى لحظة من التاريخ أصبح فيها العالم الإسلامى مرهقا من الجهادية الغبية، والعنف، والجهاد ضيق الأفق ويريدون أن ينقذوا الإسلام من هذه الصورة السيئة، وليس فقط إنقاذه من تلك الصورة السيئة، ولكن أيضا من الجهاديين واستعادة المعنى الإنسانى العميق والقيم الإنسانية، والاجتماعية وقيم السلام بالقرآن".
وحول موقف بريطانيا من التقدم بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية للأمم المتحدة قال وات "نحن نؤيد وجود دولة فلسطينية بشدة" ولكن فيما يتعلق بقرار التقدم بطلب عضوية كاملة من الأمم المتحدة فنحن نعتقد أن الدولة التى ستكون والتى ستبنى على أساس ثابت وستحقق السلام هى الدولة التى تأتى فقط من الاتفاقيات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
للاطلاع على الحوار كاملا English.youm7.com
سفير بريطانيا بالقاهرة: مصر عالقة مع قانون الطوارئ لحين ظهور قوانين جديدة.. وإذا ضمنت الأحزاب الإسلامية حرية الاعتقاد فى الدستور فلا تهديد للديمقراطية
الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011 05:21 م