قبل عدة أشهر كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان "انتبه الثورة ترجع إلى الخلف"، مع التحفظ الأساسى على كلمة الثورة، فلا أزال أعتقد أن ما حدث فى مصر، انتفاضة كانت فى طريقها لتصبح ثورة، لكنها انتهت بتولى العسكريين الحكم!
وبغض النظر عما كان ما حدث فى مصر ثورة، أم انتفاضة، أم فعل ثورى، أو حتى ثورة لم تكتمل، فإن دعوة بعض القوى السياسية لمليونية الجمعة المقبلة بعنوان "جمعة استرداد الثورة"، يعنى أنها ضاعت، أو سرقت.. وهنا يجب أن نبحث عمن سرق الثورة أو أضاعها.
فى اعتقادى المتواضع، تكمن أزمة مصر الحديثة فى نخبتها، وليس فى حاكمها، الحاكم فرد، نحن من نحوله لديكتاتور، ونفرعنه، أو نحافظ عليه مواطنا بسيطا.. يعنى واحد مننا وليس علينا. والمشكلة الكبرى فى هذا البلد أن النخبة التى نشاهدها على الفضائيات، وهى تتحاور وتناور، وتدعو للمظاهرات والمليونيات هى من أضاع الثورة، وليس أحد آخر.
تتهم القوى السياسية المحترمة فى مصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه السبب فى ضياع الثورة، وأن حكومته أدت إلى عودة فلول الحزب الوطنى، إضافة إلى طلب يكرره الجميع بضرورة أن يحدد المجلس العسكرى متى سينقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة.
مثل هذا الطلب من فرط سخافته لا يستحق الرد، لكن المشكلة أنه لا يزال هناك فى الوطن من يصدق السادة أشاوس الفضائيات والميادين، ونسى هؤلاء أن المجلس الأعلى استفتانا على عدد من المواد، ثم أصدر إعلانا دستوريا فى مارس الماضى حدد فيه الفترة الانتقالية بستة أشهر، لكن النخبة غير المنتخبة أدخلتنا فى جدل عقيم استمر نحو ستة أشهر فى سؤال الانتخابات أولا أم الدستور أولا؟
وحين بدا أن هذا الجدل لم يحقق أهدافه انتقلنا إلى جدل آخر عنوانه المبادئ فوق الدستورية، أو المبادئ الحاكمة للدستور، وهو موضوع لا يحتاج لكل ما أثاره من ضجة لأنه لا يمكن أن يصدر دستور فى العالم بدون تلك المواد الحاكمة أو الفوقية.. والعبرة بالتطبيق أكثر من فوق وتحت وشمال ويمين الدستور.
عمليا مصر فى قبضة الجيش منذ 11 فبراير، هو السلطة السياسية فى البلد، والمفترض أنه على يمينه ويساره قوى سياسية، وثورية وأحزاب سياسية، وجماعات ومفكرين، لمساعدته لقيادة البلد نحو المستقبل، وبدلا من المساعدة أعتقد أن النخبة المصرية صارت عبئا على الوطن، وأن من المهم الآن أن يطالب الشعب بإسقاط النخبة التى أسقطت الوطن.
نعم لجمعة استرداد "الثورة"، وإن كان من المفترض تسميتها جمعة استرداد الوطن، جمعة استرداد مصر، جمعة الخلاص ممن أضاعوا الحلم المصرى الذى تجسد على الأرض يوم 28 يناير، وبفضل هذه النخبة تحول إلى كابوس.