أحمد ماهر

التجربة البولندية «3»

الإثنين، 26 سبتمبر 2011 03:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت النصيحة البولندية بأن يتم التركيز على تطوير الأجهزة الأمنية وألا يتم التركيز على مشاعر الانتقام، أو العودة للماضى، وبالفعل نجحت بعد سنوات من الدراسات العلمية والتجارب إلى تغيير المفاهيم السابقة لدى رجال الشرطة، وإلغاء أجهزة الشرطة السرية، وأجهزة المخابرات التى كانت تراقب الشعب وتساعد فى قمعه وإلغاء كل أدوات التعذيب، ونشر مفاهيم جديدة بين رجال الشرطة لاحترام حقوق الإنسان، وخصوصياته، ومعتقداته السياسية والفكرية، وأن تكون الأجهزة الأمنية الداخلية هى فقط لجمع المعلومات الصحيحة الموثقة بطرق قانونية، وليس لمراقبة الحياة السياسية، مع الاحتفاظ بحق مقاومة أى جماعة تلجأ للعنف فى تطبيق أفكارها فى المجتمع، مع إعلاء قيم القانون والعدل والمساواة. وأن تكون مهمة الاستخبارات منحصرة فى الشأن الخارجى، وصد أى مؤامرات خارجية.. وهو للأسف ما لم يحدث فى مصر حتى الآن، فإن كان هناك تغير شكلى فى منظومة الشرطة فى مصر فإننا نلاحظ عدم تغير فى مفاهيم العديد من رجال الشرطة، وسمعنا كثيرًا عن رغبة بعض رجال المباحث والأمن المركزى فى الانتقام من الثورة والثوار، وأنهم يعتبرونها مؤامرة من الخارج، ورغم حضورى لافتتاح جهاز الأمن الوطنى الجديد واطمئنانى وقتها للتغيير فى الأفكار المعلنة فإنى لا أعلم حاليًا ماذا يحدث، وهل توقفت المراقبة للنشطاء السياسيين؟
واللافت للنظر أن أول رئيس للجمهورية هو قائد الثورة ليخ فاونسا، وهو أحد الفنيين، كان يعمل فى مجال الكهرباء، وهو شخص قيادى متفهم ومتواضع لأقصى درجة، ويحظى باحترام كبير فى المجتمع، وكذلك يتم الاحتفاء بكل الشخصيات التى كان لها دور بارز فى الثوة داخل المجتمع البولندى رغم تواضعهم الشديد، ويتم تقدير الدور المهم الذى قامت به حركة التضامن فى إشعال الثورة البولندية، وعندما سألهم بعض الشباب المصريين عن نغمة التخوين والانقلاب على من كان لهم دور فى إطلاق شرارة الثورة، وهل هناك محاولات لتشويه صورتهم؟ كان رد فعلهم يدل على الاندهاش الشديد.. أما بالنسبة للنظام الانتخابى فى بولندا بعد الثورة فكان بالقائمة النسبية، وكان يتم التضييق على مرشحى النظام السابق، وكان قانون التطهير يمنعهم من الترشح مرة أخرى، وكانت الانتخابات البرلمانية الأولى بقائمة «تضامن» الموحدة، وفازت بالنسبة الأكبر من الانتخابات البرلمانية، وأيضًا المجالس المحلية، وهنا تحقق الحكم للقوى الثورية فى رئاسة الجمهورية والبرلمان والمجالس المحلية فى الفترة الأولى بعد الثورة، أما فى الانتخابات التالية فكان هناك تعددية، وعدة أحزاب متنافسة، وليست قائمة موحدة للقوى الثورية، كما كان فى أول انتخابات بعد الثورة.. وقد حضر الوفد الشبابى المصرى والتونسى إحد جلسات المجلس المحلى لمدينة جدايسك التى انطلقت منها الثورة، وكان هناك نقاش حامٍ بين عدة مجموعات داخل المجلس المحلى لإقرار عدة مشروعات خدمية، ومناقشة ميزانية المدينة، والجدير بالذكر أن مجلس المدينة يتم انتخابه لمراقبة ومحاسبة عمدة المدينة، «وهو منصب يوازى المحافظ عندنا» ويكون بالانتخاب أيضًا، وكذلك للإقرار والرقابة على الميزانية والخدمات.
ومن الملاحظ أنه يوجد حاليًا فى بولندا أكثر من 200 حزب سياسى، وعندما استفسر الشباب المصريون والتونسيون عن ذلك كانت الإجابة بأنه من الطبيعى أن يكون هناك عدد ضخم من الأحزاب السياسية، لأن ذلك نتيجة طبيعية للانفتاح السياسى والممارسة الديمقراطية، وإنشاء حزب سياسى لا يتطلب أكثر من 50 توقيعًا ويتم الإعلان بمجرد الإخطار، لكن فعليّا لا يوجد فى البرلمان سوى 6 أحزاب فقط، ولكى يتم دخول أى حزب فى البرلمان يجب أن يجتاز عتبة الحصول على 3 % من أصوات الناخبين، وبذلك فلا خوف من زيادة عدد الأحزاب المتنافسة، والممارسة الجادة والبرامج المتميزة هى معيار الشعبية والتواجد.
ومن الملاحظ أن الفترة الانتقالية فى بولندا كانت أكثر ارتباكًا من مصر، وخصوصًا بعد التحول الاقتصادى من النظام الشيوعى إلى الاقتصاد الحر، وقد صاحب مرحلة التحولات أزمات عديدة فى الأجور والبطالة والإنفاق على الخدمات الأساسية، ولكن الآن يعتبر النظام الاقتصادى البولندى مرنًا ويحاول تحقيق التوازن بين الاقتصاد الحر.
ورغم ارتفاع معدل دخل المواطن البولندى مقارنة بالكثير من دول أوربا الشرقية، ورغم استقرار النظام السياسى فى بولندا واحترام الحريات والتعددية فإن صناع الثورة البولندية معترفون بأنهم، ورغم مرور 20 عامًا على الثورة فى بولندا، لا يزالون فى الفترة الانتقالية، ويحتاجون للمزيد من أجل تطبيق أمثل للديمقراطية والعدالة الاجتماعية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة