"بينما هو مختبئ ولا أحد يعرف مكانه، يصر القذافى على أن يخرج من حين لآخر ليلقى علينا بعض من كلماته التى ستحفظها كتب التاريخ فى الجزء الساخر منها، آخرها كانت وصف الأحداث الثورية الحالية بــأنها (مهزلة)، متناسياً مهازل كثيرة عاشها الشعب الليبى فى ظل حكمه!"
منذ أن اندلعت الثورة فى ليبيا ومعمر القذافى لا يدع وقتاً طويلاً يمر دون أن يخرج على شعب ليبيا، بل والشعوب بأكملها بتصريحات غريبة ونادرة التكرار فى مناطق اخرى من العالم وربما فى أوقات أخرى من التاريخ، فمنذ تحرير الثوار طرابلس والذى يعد هذا التحرير بمثابة نقطة النهاية فى تاريح حقبة الحكم القذافية التى عانى منها شعب ليبيا على مدار أكثر من 40 عاما كاملة، منذ دخولهم وفجأة اختفى معمر القذافى ولم يظهر أو يسمع له صوتاً أو يخرج وسط جماهيره الخضراء المؤيدة أو يتجول متحصناً بسيارته المصفحة أو حتى "توك توك" مصفح.
صحيح أن تحرير وسائل الاعلام الليبية من القبضة القذافية كان له أثر كبير فى عدم إيصال صوت الرجل إلى الملايين كما كان يدعى، وأنا شخصياً لا أعرف عن أى ملايين كان يتحدث خصوصاً وأن معظم أبناء ليبيا سواء فى الداخل أو فى الخارج كانوا مؤيدين للثورة، حتى أن القذافى لم يجد من الملايين من يؤيده ويقاتل معه فاستنجد بالحلفاء من الأفارقة الذين أغرقهم بأموال شعبه ليرسلوا له مرتزقة كى يقاتلوا فى سبيل طغيانه، ويقتلوا أبناء شعبه دون أدنى إحساس بالمواطنة، أو بالإنسانية على أقل تقدير.
مؤخراً تم بث تسجيل صوتى لمعمر من إحدى الحفر التى يختبأ بها فى صحارى ليبيا وصف الأحداث الجارية بأنها "مهزلة"، التسجيل بثته إحدى القنوات التى تتخذ من سوريا مقراً لها، ربما على اعتبار أن كلا النظامين ـ أى السورى والليبى ـ فى الهم سواء، فالثورة فى سوريا بدأت تصعد من خطواتها العملية للإطاحة ببشار الأسد، ذاك الذى يواجهها بقوة عسكرية وقبضة أمنية غاشمة لا تقل فى قوتها وضراوتها عن تلك التى واجه بها معمر القذافى أبناء شعبه الأحرار بالأمس القريب قبل أن يتهاوى نظامه، ويهرب أبناؤه والفاسدون من رجال نظامه الى الخارج، أكد القذافى أن "قنابل الجو لن تدوم"، وهذا صحيح.. فغداً ستستقر الأحوال فى ليبيا وتنتهى مهمة الناتو فيها، فالأمر مختلف تماما عن العراق وعن أفغانستان وليس كما صوّره نظام القذافى أو إعلام الدول التى يواجه نظامها الحاكم ثورات من أجل الكرامة والحرية كـسوريا مثلاً، أكد ملك ملوك الهاربين وعميد الطغاة العرب أن نظامه باق ولم تتم الاطاحة به، لكن الغريب أنه استكثر الفرحة التى شاهدها العالم كله فى عيون أبناء ليبيا عند دخول الثوار الى طرابلس وطالبهم بعدم الفرحة لأن نظامه سيبقى !، لكن أغرب ما جاء فى كلمته الموجزة هو أنه مازال يصر على أن نظام اللجان الشعبية والمؤتمرات العامة هو الأفضل لحكم الشعب، متناسياً أن احد أهم العوامل الذى كان له شأن كبير فى تأجيج نفوس الشعب الليبى هى تلك الطريقة الغريبة والفريدة من نوعها فى إدارة الدولة ومراعاة شئون أبنائها، فالنظرية الثالثة وما جاء فى الكتاب الأخضر يعد هو أسوأ ما جاء فى شئون السياسة والاقتصاد ومناحى الحياة بصفة عامة.
"مهزلة؟!" هى فعلا كذلك، هى مهزلة أن يستفرد الرجل هو وأسرته بثروات البلاد ويسخرها لخدمة أهواء شخصية ونزوات عائلية تاركاً الفتات لأبناء شعبه، هى فعلا مهزلة أن يفتعل أبناؤه المشكلات فى الخارج ليعانى منها الوطن بأكمله من خلال قطع علاقات وإعلان الجهاد على دولة حاولت تطبيق سيادة القانون على أراضيها، هى فعلا مهزلة أن يجعل القذافى من خلال ملابسه وكلماته وأسلوبه وطريقة تنقله موضعاً للسخرية ليس له وحده فحسب، بل أن يتحول الأمر للسخرية من الليبيين فقط لأن رئيسهم شخص مثله ويقوم بتلك الأفعال الغريبة، هى مهزلة أن تجد الحرس الخاص لرئيس عربى شرقى من النساء فقط، فى الواقع أن فترة حكم القذافى تحوى مهازل كثيرة وليست مهزلة واحدة، فمتى تتوقف "مهزلة" القذافى فى أحاديثه ورسائله التى يبثها من الحين للآخر؟.. خصوصاً بعد ان أطاحت الثورة بمهازله الأخرى التى عانى منها الشعب لسنوات طويلة.
