أصدر مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، اليوم الأحد، تقريراً تحت عنوان "كيف تكون الشرطة فى خدمة الشعب؟"، يقدم فيه قراءة لبعض التجارب الدولية، خاصة دول الاتحاد الأوروبى، ليستخلص منها مجموعة من المبادئ التى تعمل بموجبها أجهزة الشرطة فى المجتمعات الديمقراطية، وذلك على اعتبار أن تلك المبادئ تشكل وثيقة مرجعية، يمكن أن تعمل بمقتضاها الشرطة فى خدمة الشعب بدلاً من المبادئ التى كانت تحكم عمل الشرطة فى خدمة الحاكم.
وأشار المركز إلى أن تلك الوثيقة تفيد فى فهم الفروق الجوهرية بين وضع جهاز الشرطة فى مصر قبل 25 يناير 2011، والتصور المفترض تحقيقه للشرطة مع التحول الديمقراطى، حيث تقوم الوثيقة على رؤية محورية مؤداها أن عمل الشرطة فى خدمة الشعب يقتضى تحول التوجه الأمنى من الطابع التسلطى إلى الطابع الخدمى، والذى يعنى أن الشرطة ليست سلطة بقدر ما هى خدمة عامة للجميع الحق فيها دون تفريق أو تمييز.
وتعرض الوثيقة محل الدراسة لخمسة مبادئ أساسية تحدد الإطار الديمقراطى لعمل جهاز الشرطة، لكى يصبح مؤهلاً لخدمة الشعب وهى، التمسك بسيادة القانون والدور الاجتماعى للشرطة وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم، ودور الشرطة فى مواجهة الفساد، وقواعد التنظيم الجيد والإدارة الفعالة لجهاز الشرطة.
بالنسبة لمبدأ سيادة القانون، دعا التقرير الشرطة إلى أن تعمل وفقا لمبادئ الدستور والقوانين المحلية، خاصة القوانين الجنائية والقوانين المنظمة للشرطة، فضلاً عن معايير القانون الدولى وحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، وأن تثبت الشرطة التزامها بسيادة القانون على أرض الواقع، مهما تعرضت للضغوط.
ووضعت الدراسة مجموعة من القواعد الإجرائية للعمل بهذا المبدأ، ومنها سن التشريعات وإقرار السياسات التى تحكم عمل الشرطة وسلوكها بوضوح، ودقة لا تسمح بالالتباس وبما يتفق مع الدستور والمعايير الدولية المنظمة لعمل الشرطة.
ودعا التقرير إلى إتاحة التشريعات والسياسات للجمهور، بحيث يستطيع كل المواطنين الاطلاع عليها بكافة وسائل النشر المتاحة، ووضع إطار قانونى منظِّم لاستخدام القوة ضمن سياسات الشرطة شاملاً التعريفات التى تحدد طبيعة استخدام القوة فى الجرائم الجنائية.
وطالبت الدراسة بخضوع أفراد الشرطة للتشريعات المدنية، وذلك بصفتهم مواطنين عاديين يخضعون لنفس التشريعات التى يُعامل بها المواطنون، وعند الاستثناءات يجب أن تكون مبررة لأسباب تتعلق بأداء أعمال الشرطة، وبما يتوافق مع قيم المجتمع الديمقراطى، والامتناع عن تنفيذ الأوامر المخالفة للقانون، مهما كانت سلطة وصلاحيات الذين أصدروا هذه الأوامر، والمواجهة الحازمة لأى انتهاكات للقانون ومبادئ حقوق الإنسان، والعمل على الخضوع للمساءلة القانونية عن أى انتهاكات، حيث يعتبر أفراد الشرطة - على اختلاف مستوياتهم - مسئولين عن سلوكهم وتقصيرهم فى واجباتهم، وعن الأوامر الصادرة عنهم لمرؤوسيهم، وبالتالى يمكن مساءلتهم قانونياً.
ودعا التقرير إلى التدخل الفورى فى أى مواقف ينتهك فيها القانون دون الانتظار لتلقى أوامر بذلك، ويمكن لأفراد الشرطة التدخل فى المواقف التى يتعرض فيها القانون والنظام العام للخطر، حتى ولو كانوا خارج ساعات العمل الرسمية، والالتزام باحترام استقلالية القضاء وعدم التأثير فيه، وخضوع أفراد الشرطة لقيود القانون فقط، وهو المبدأ الذى يضمن اعتراف أفراد الشرطة بحقوق الغير وحرياتهم واحترامها، ولتحقيق المقتضيات الأخلاقية السائدة فى المجتمع.
وهناك استحقاقات ينبغى أن يحصل عليها كل المواطنين بلا استثناء، كالحق فى التعليم، والعمل، والحصول على الخدمة، والمشاركة السياسية، وغيرها، وهى حقوق ليست ملزمة، ولكن تتكفل الشرطة بخلق المناخ الديمقراطى السليم الذى يسهل من عملية حصول المواطنين عليها وضمان الوفاء بتلك الحقوق، ولهذا يتعين على الشرطة تذليل كافة العقبات التى تمنع حصول المواطنين على تلك الاستحقاقات.
وفيما يتعلق بمبدأ حماية حقوق المواطنين الإنسانية والحريات، طالبت الدراسة الشرطة الالتزام بحماية كافة الحقوق الأساسية التى نصت عليها المعاهدات والقوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وأن تضمن وصول هذه الحقوق المواطنين بلا استثناء، وهو ما يعنى أهمية الأخذ بعين الاعتبار نوعين من الحقوق، هما الحقوق العامة والحقوق الخاصة بسلامة المواطنين.
بالنسبة للحقوق العامة، هناك استحقاقات ينبغى أن يحصل عليها كل المواطنين بلا استثناء، كالحق فى التعليم والعمل والحصول على الخدمة الصحية، والمشاركة السياسية، وغيرها، وهى حقوق ليست ملزمة لأداء عمل الشرطة ولا تقع كمسئولية مباشرة عليها، ولكن تتكفل الشرطة بخلق المناخ الديمقراطى السليم الذى يسهل من عملية حصول المواطنين عليها وضمان الوفاء بتلك الحقوق، ولهذا يتعين على الشرطة تذليل كافة العقبات التى تمنع حصول المواطنين على تلك الاستحقاقات.
وفى هذا السياق، قدمت الدراسة مجموعة من القواعد الإجرائية لتحقيق هذا المبدأ، وهى تحقيق مبدأ العدالة فى توزيع الخدمات بين المواطنين، بحيث تمنع الشرطة أيِّة محاولات لاستخدام النفوذ والوساطة أو المحسوبية فى الحصول على الخدمات والحقوق العامة التى نصت عليها المواثيق الدولية، والاعتراف بالحريات العامة واحترامها وحمايتها، بما فى ذلك حرية التعبير عن الرأى والتجمع والتظاهر السلمى والانتماء للأحزاب والحركات الاجتماعية والانخراط فى الأنشطة التطوعية، وغيرها دون اللجوء إلى الاعتقال التعسفى والاحتجاز والنفى.
كما شملت الإجراءات حظر كافة جوانب التمييز فى المعاملة "كالتمييز بحسب النوع والعرق، والدين، واللغة، والمكانة الاجتماعية، أو الملكية، أو مكان الميلاد والرأى أو التوجه الأيديولوجى، وغير ذلك من أشكال التمييز".
وعلى أفراد الشرطة العمل على منع هذه الصور من التمييز وألا يكونوا هم أنفسهم وذووهم ممن يمارسونها صراحة أو ضمنا فى الحياة اليومية، وذلك لضمان عدم إشاعة الفرقة المجتمعية، وتفتيت النسيج المجتمعى.
وبالنسبة للمبدأ الثالث، والمتعلق بالتعاون مع المجتمع لتحقيق الشعور العام بالأمن، طالبت الدراسة الشرطة بتبنى الشراكة المجتمعية الفعالة، كقيمة أساسية فى التعاون مع أعضاء المجتمعات المحلية، وجميع مؤسسات المجتمع لتلبية كافة احتياجات المواطنين، وهو ما يتطلب التخلى عن المعنى الضيق لوظفية الشرطة، والتى تقتصر على مجرد التصدى للجريمة.
وأضاف التقرير، أنه إذا كان المواطنون يتقبلون بمحض إرادتهم قيام الشرطة بتنفيذ القانون واستخدام القوة فى ملاحقة الخارجين عليه، ومكافحة الفساد، وضمان النزاهة والشفافية وترسيخ الحريات الممدنية والسياسية والاقتصادية، فإن الشرطة بكامل هيئاتها مسئولة أمام المواطنين بأن يلتزم أفرادها فى سلوكهم بتطبيق نفس المبادئ التى يعملون من أجلها، وأهمها النزاهة والشفافية، ولضمان تحقيق ذلك ينبغى على الشرطة أن تلتزم بتمكين المواطنين من محاسبتها.
لذا طالبت الدراسة جهاز الشرطة بالامتناع عن ممارسة أى عمل غير شرطى، ومقاومة أى إغراءات تنال من المصداقية، وتصرف كبار رجال الشرطة كقدوة أمام كل أفراد الشرطة الآخرين، وتجنب صراعات المصالح، وتجنب الفساد بكل صوره، والامتناع عن قبول الهدايا، والحرص الشديد فى اختيار أفراد الشرطة والحذر البالغ فى تحديد مهامهم، وبناء آلية فعالة لمكافحة الفساد وضمان تحقيقات عادلة مع المتورطين منهم.
أما بالنسبة لمبدأ التنظيم الجيد والإدارة الفعالة للشرطة، دعت الدراسة الشرطة إلى الالتزام بمجموعة من التدابير والإجراءات الإدارية التى تخلق بيئة مؤسسية جيدة تمكن أفراد الشرطة من القيام بمهامهم بأكبر قدر من الكفاءة والجودة، وفقا للقوانين المحلية والمعايير الدولية، وذلك من منطلق أن الثقة المجتمعية فى الشرطة تعتمد أساسا على مبدأ الاحترافية فى أداء العمل والالتزام بالمعايير المهنية المعمول بها دولياً.
مركز المعلومات يسأل: كيف تكون الشرطة فى خدمة الشعب؟.. ويجيب: ضمان التمسك بسيادة القانون والدور الاجتماعى للشرطة.. وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم.. ودور جهاز الأمن فى مواجهة الفساد
الأحد، 25 سبتمبر 2011 07:49 م