لحية الصديق

قابلت صديقا يعمل مدرسا، لم ألتق به منذ نهاية شهر فبراير الماضى، أى بعد تنحى الرئيس مبارك، وكان اللقاء منذ ثلاثة أيام.

صديقى هذا، فى الخمسين من عمره، ويؤدى فروض الله من صلاة وزكاة،وممن يداومون على إخراج الصدقات، ويراعى المحتاجين وفقا لظروفه الخاصة أى كلما تيسر له، ويعمل ويكد بالحلال، وبقناعة أن هذا يخلفه الله فى أبنائه، ومع هذه الخصال الحميدة الكثيرة، وقوام تدينه المعتدل، لم يطلق لحيته فى أى يوم من الأيام، هو فقط صاحب شارب ليس كثيفا.

فى لقائى الأخير بصديقى وجدته ملتحيا، ويتشابك الشعر الأبيض مع الأسود فى لحيته، ومع اللحية طاقية بيضاء على رأسه، وللعلم فإن ما يثير انتباهى كثيرا فى حدود المجتمع الذى أعيش فيه، رؤيتى لكثير من الناس يبدأون فى إطلاق لحاهم وهم على وشك الخروج من المعاش، ويتركونها بعد ذلك، وكأنهم يستعدون لترك الدنيا، وإذا كانت هذه حرية فردية لا دخل لأحد فيها، فإن المثير فيها أن بعض هؤلاء قد تراهم لا يحافظون على مسؤولية هذه اللحية فى المعاملات الاجتماعية مع الآخرين، وبالتالى يزداد السخط عليهم.

أعود الى صديقى الملتحى حديثا والذى سألته مداعبا: «إيه حكاية لحيتك الجديدة؟»، فرد ضاحكا: «عشان الإخوان خلاص هيحكموا»، ظننت أن إجابته قفشة منه، لكن اكتشفت مع مناقشته أن الأمر جد عنده، وظل يعدد لى مكاسب الإخوان فى الفترة الأخيرة، قائلا، إنهم فازوا بنسبة كبيرة فى انتخابات نقابة الصيادلة، وفازوا بانتخابات نادى 6 أكتوبر، وفازوا بانتخابات نقابة المعلمين، ويستعدون لانتخابات مجلس الشعب وسيفوزون بها، وكذلك انتخابات نقابة المحامين، ونقابة المهندسين ونقابة الأطباء، وأضاف متسائلا: «إيه اللى ناقص لهم.. رئيس جمهورية يعنى؟».

قلت له: «لحيتك على هذا النحو إما أنها نفاق أو خوف»،، فرد: «لا هى نفاق ولا خوف، لكن تقدر تقول احتجاج على كل ما يحدث هذه الأيام، احتجاج على أحزاب نسمع عنها، وهى فى الحقيقة غير موجودة، وائتلافات للثورة نسمع عنها ولا نعرف حقيقتها، والكل موجود فى الصحف والفضائيات فقط، أما فى الانتخابات فلا يوجد غير الإخوان».. فعلى ماذا يدل هذا التصرف من صديقى؟