خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ليعمر الأرض ويصلح فيها، فالله لا يحب المفسدين.. ولست بالطبع أقصد أن العنف ظاهرة حديثة على بنى آدم ولكن الجديد هو حجم وشكل هذا العنف الذى أصبح من الظواهر التى طغت بكل شراسة على حياتنا الاجتماعية التى طالما اتسمت بدرجات كبيرة من البساطة والتراحم والمحبة والتآخى والإيثار والتعاون، وبمستويات صغيرة من التناحر والصراع وضياع الجهود فى تدبير المكائد وتصيد الأخطاء.
ولكن كيف كبر وترعرع هذا العنف فأصبح يافعاً يصول ويجول هنا وهناك؟ لابد أن هناك عوامل أدت إلى ذلك وعلينا أن نتتبعها حتى الجذور.. وهى فى الحقيقة عوامل كثيرة لعل من أهمها، من وجهة نظرى، ما يتعرض له أبناؤنا من أنماط خاطئة فى التربية تراكم فيها المخزون المعرفى المضمر حتى وصل إلى مرحلة السلوك الظاهر.
فمثلاً عند تكرار مشاهدة الطفل لتعرض أمه لألوان من العنف، على يد أبيه، أقلها الألفاظ البذيئة، والركل والصفع المتتالى على الوجه، فيكون هذا هو النموذج الأول الذى شاهده وتعلمه هذا الطفل، وكما تعلمون أن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر.. فما بالنا إذا "زاد الطين بلة" وذهب هذا المسكين الصغير ليسرّى عن نفسه أمام التلفاز فوجدته متوحداً مع أبطال "الأكشن" حتى صاروا قدوته ومادة خياله، فإذا ما التقى مع رفاقه وهو محمل بما يكفى من شحنة عدوانية تجدهم فى الغالب يتعاونون على الإثم والعدوان بدءاً بالعنف تجاه الذات من خلال التدخين الذى أصبح للكثيرين كالماء والهواء، وانتهاءً ًبالعنف تجاه الآخرين حتى أنه قد لا يسلم من أذاه أقرب الأقربين ولا يخفى علينا ما تكتظ به الصحف يومياً فى هذا الشأن.
ماذا ننتظر بعد كل ذلك من هذا البرعم الذى نشأ وتعلم العنف منذ نعومة أظافره، فهذا هو المكمن الحقيقى للخطر وأقصد الصغار فهم النواة التى يقوم عليها المجتمع، فإذا أردنا مجتمعاً صالحاً خالياً من الآفات النفسية والاجتماعية، وساعياً للتنمية ومحباً للعلم والعمل، ومؤمناً بأسلوب الحوار، إذا أردنا ذلك حقاً فلنبدأ بالصغار، وبالطبع فإن الأمر يتطلب المزيد من التوعية بالدور الفعَال والمحورى الذى يجب أن تقوم به مختلف مؤسسات المجتمع، والذى يقع الجانب الأكبر منه على عاتق الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام.
