من الطبيعى جدا فى أى بقعة من العالم تندلع فيها ثورة أن يكون نتاج ثورتها أحزابا وكيانات وحكومة ثورية تتناغم مع أهداف الثورة، وتلبى مطالب التغيير التى ينشدها الشعب.. لكنَّ شيئًا من ذلك لم يحدث، وانتهت الثورة عندنا فى ميدان التحرير إلى إزاحة رأس النظام دون ذيوله وأذنابه وفلوله، وكانت النتيجة أن الأحزاب الورقيَّة القديمة لا تزال تتصدر المشهد السياسى فى مصر بعد الثورة، رغم أنها كانت جزءًا من نظام مبارك المخلوع وشاركت فى إفساد الحياة السياسيَّة، هذا فى الوقت الذى يتوارى فيه عن المشهد السياسى أبناءُ ثورة الخامس والعشرين من يناير، الذين غيَّروا وجه التاريخ وهم بلا أحزاب ولا كيانات سياسيَّة، وهم لا يستطيعون الوفاء بشروط لجنة الأحزاب التى تثقل كاهل من يفكر فى إنشاء حزب بشروط تعجيزيَّة تحتاج إلى إمكانات ماديَّة، وربما تبدّد الحلم بالرفض كما حدث الأسبوع الماضى عندما اعترضت لجنة شؤون الأحزاب على تأسيس حزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلاميَّة بدعوى أنه حزب يقوم على أساسى دينى.
وأعتقد أنها حجةٌ واهية الغرض منها إقصاءُ أبناء التيار الإسلامى غير المرضيِّ عنهم، وهو ما يؤكِّد أن ملامح مصر الجديدة لم تتكونْ بعد، والسبب فلول نظام مبارك المخلوع وما أكثرهم.
ولو كانت الحكومة جادَّة فى توجهاتها نحو الحريات والديمقراطيَّة لما وضعت تلك العراقيل حول إنشاء الأحزاب الجديد، حتى وإن كانت دينيَّة؛ فالديمقراطيَّة الغربيَّة استوعبت جميع أطيافها الدينيَّة حتى رأينا الحزب الديمقراطى المسيحى فى ألمانيا يقود أقوى اقتصاديات أوروبا وحزب أردوغان صاحب الخلفيَّة الدينيَّة ينتقل بتركيا من دولة نامية إلى دولة عملاقة فى كل المجالات.. فتلك حجةٌ واهية، خاصة أن التديُّن متجذِّرٌ فى البيئة المصريَّة لا يمكن أن ينفصل عن واقع ما يجرى من أحداث، فضلا عن أن الناس ملّوا الوجوه القديمة برمتها حتى وإن كانت من غير الحزب الوطنى، فالشعب يريد التغيير فى الوجوه والسياسات معًا، بل يريد دماءً جديدة وعقولاً ناضجة، لذلك نحن نريد تطبيق قانون الغدر على كل من أفسد الحياة السياسيَّة من فلول النظام السابق وأحزاب المعارضة سواء بسواء، ففساد المعارضة زكم الأنوف، فضلا عن أولئك الذين مارسوا العمل السياسى عشرات السنوات فى البرلمان والنقابات وشاخوا على الكرسى، وأصبحوا ينافسون «أبوالهول» فى مكانه بعد أن أثبتوا فشلهم فى العمل السياسى، وعلى كل فلول وعقارب وثعابين الحزب الوطنى الهالك أن يتواروا خجلا عن المشهد السياسى، وإلا فسوف يفتحون على أنفسهم أبواب الغضب من الجماهير المصريَّة.
إن تطهير البلاد من فلول النظام السابق أصبح ضرورة ملحَّة لبناء مصر الجديدة، ولا يكفى خلع الحاكم المستبد الذى ثبت ضعفه وهوانه أمام إرادة الشعب كما يقول عبد الرحمن الكواكبى فى كتابه القيم طبائع الاستبداد: «المستبد فرد عاجزٌ لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه من أعداء العدل وأنصار الجور».
المطلوب قبل الانتخابات البرلمانيَّة المزمع إجراؤها أواخر نوفمبر القادم تطهير القضاء والإعلام والشرطة، بل مطلوب تطهير كل مؤسسات الدولة من رموز الفساد، والأهم هو إلغاء قانون الطوارئ الذى هو سبةٌ فى جبين مصر منذ ثلاثين عامًا.. لتبدو مصر الجديدة نقيةً طاهرةً نظيفةً بعد إزالة ما علق بها من أوساخ وقاذورات فى عهد نظام مبارك المخلوع.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهر
مليونية هي الحل