أوقاتا قاسية وصعبة تلك التى سيعيشها الفلسطينيون بعد تقديم طلب انضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة، فمن على أعلى منبر دولى أعلن الرئيس الفلسطينى محمود عباس أن ساعة الربيع الفلسطينى، ساعة الاستقلال قد دقت.
فى خطابه التاريخى الذى ألقاه فى نيويورك فى الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة قال عباس: "إنه فى وقت تؤكد الشعوب العربية سعيها للديمقراطية، فيما عرف بالربيع العربى، فقد دقت أيضا ساعة الربيع الفلسطينى.. ساعة الاستقلال.. فلسطين تبعث من جديد.. فلتكن جميع شعوب العالم مع الشعب الفلسطينى وهو يمضى بثبات نحو موعده التاريخى مع الحرية والاستقلال.. الآن..".
63 عاماً من عذابات النكبة المستمرة.. أما آن الأوان لينال هذا الشعب حريته واستقلاله؟ ألم يحن الوقت لأن تنتهى معاناة ومحنة ملايين اللاجئين الفلسطينيين فى الوطن والشتات؟ وأن ينتهى تشريدهم، وأن ينالوا حقوقهم، ومنهم من أجبر على اللجوء أكثر من مرة فى أماكن مختلفة من العالم؟.
أدهش عباس العالم بخطابه المتوازن وبالذات، حينما أشار إلى وجود فئة تعتقد أن الفلسطينين هم شعب فائض على الحاجة فى الشرق الأوسط، فعانى من سياسة التطهير العرقى والابرتهايد عبر سنوات الاحتلال، وذاق الأمرين من تهجير وعزل واعتقال وقمع، غير أن ذكر الابرتهايد يتجاوز الجرأة المعهودة لما تحمل هذه الكلمة من معان قاسية، يرتعش لها المجتمع الدولى وتحرجه، فلطالما حارب العالم المتحضر سياسة التفرقة العنصرية وهاجمها بشدة، وهو بممارساته المناهضة لرغبات الفلسطينيين يساهم فى ممارسة هذه السياسة القمعية بكل تأكيد، الدول التى تدافع ليل نهار عن حرية الشعوب فى التعبير عن رأيها، وحريتها فى نيل استقلالها، تغض الطرف عما تقترفه إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى من سياسات التطهير العرقى الواضح فى الأراضى المحتلة تحت ذرائع الأمن، فتوسعت بالمستوطنات توسعا سرطانيا، فضم الأرض وهجر البشر، وقتل الأمل فى نفوس اللاجئين من العودة إلى ديارهم المنهوبة.
الابرتهايد الذى تمارسه إسرائيل يرتبط ارتباطا وثيقا بالاستيطان، غير أن الاستيطان نادرا ما يرتكز على نظام الفصل العنصرى، وفى الواقع نجد أن الصهيونية الهادفة إلى إنشاء وطن قومى لليهود بأقل عدد ممكن من السكان غير اليهود، ليست مجرد استيطان قائم على اغتصاب الأرض كأشكال الاستيطان الأخرى، بل على طرد السكان الأصليين والتطهير العرقى، وبالتالى نستنتج مدى خصوصية الاستيطان الصهيونى وكيفية عمله.
فى ظل غياب العدل المطلق، فقد اعتمد الفلسطينيون طريق العدل النسبى، العدل الممكن والقادر على تصحيح جانب من الظلم التاريخى الفادح الذى ارتكب بحق شعب فلسطين، فصادق على إقامة دولته فوق 22% فقط من أراضى فلسطين التاريخية، أى فوق كامل الأراضى التى احتلتها إسرائيل عام 1967، فالاحتلال يسابق الزمن لرسم الحدود فى أرض فلسطين وفق ما يريد، ولفرض أمر واقع على الأرض يُغيرُ حقائقها وشواهدها ويقوض الإمكانية الواقعية لقيام دولة فلسطين.
إن هذه السياسة ستدمر فرصَ تحقيق حل الدولتين الذى تبلور إجماع دولى حوله، وحذر عباس بصوتٍ عالٍ من أن هذه السياسة الاستيطانية تهدد أيضا بتقويض وضرب بنيان السلطة الوطنية الفلسطينية، بل وإنهاءِ وجودها.
الخطاب فى مجمله لاقى الارتياح والاستحسان من مجمل قوى الشعب الفلسطينى والمجتمع الدولى أيضا، فقد فاجأ الجميع بلغته الرصينة المتزنة والمحددة فى ذات الوقت،
مما أحرج العديد من الدول المؤيدة لإسرائيل تأييدا مطلقا، فهل حان الوقت لإعمال منطق العقل السياسى المحايد بدلا من الانحياز الكامل لإسرائيل؟ وهل هناك ما يلوح فى الأفق ليعطى فلسطين، آخر دولة محتلة فى العالم، حريتها واستقلالها.. وكما قال الرئيس محمود عباس فى ختام خطابه:
"جئتكم اليوم أحمل رسالة شعب شجاع فخور.
فلسطين تبعث من جديد. هذه رسالتى.
فلتكن جميع شعوب العالم مع الشعب الفلسطينى، وهو يمضى بثبات نحو موعده التاريخى مع الحرية والاستقلال.. الآن، وأرجو ألا ننتظر طويلاً.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
متابعة
دولة فلسطين