د.أنور مغيث

المرجعية الدينية ومخاطر الاستبداد

السبت، 24 سبتمبر 2011 10:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المرجعية الدينية مصطلح ظهر مؤخراً فى فكرنا السياسى فى الثلاثين سنة الأخيرة. ولو عدنا إلى تاريخنا الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر فإننا لا نجد أى ذكر له لا لدى مفكرى النهضة ولا الأحزاب السياسية ولا حتى الجماعات الدينية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين. ولكن لا بأس فى ظهور مصطلحات جديدة لأن هذا علامة على الحيوية الفكرية للأمة. المهم بالنسبة لنا هو أن نتعرف على السياق الذى نشأ فيه لنقف على دلالته المحددة.

لقد بدأ الحديث عن المرجعية الدينية أولا بالمعنى الثقافى فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. واستخدمه المفكرون الإسلاميون فى فترة راج فيها شعار الإسلام هو الحل. وترجمه هؤلاء المفكرون بلغتهم فأسموه المشروع الحضارى الإسلامى للأمة، واعتبروا وقتها أن النظام السياسى للبشير والترابى فى السودان هو التطبيق العملى له بل وطليعته العالمية.

المقصود به وقتها هو أن المجتمع الإسلامى يقبل التعدد، فيمكنك أن تدعو للتأميم أو الخصخصة ويمكن أن تطالب بحقوق العمال أو المرأة، ولكن عليك فى كل هذه الأحوال جميعاً أن تنطلق من مرجعية إسلامية: آيات كريمة وأحاديث شريفة وأقوال أئمة الفقه. أى لا يحق لك أن تستند إلى أقوال آدم سميث أو جون ستيوارت مل أو كارل ماركس أو الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. وهذا المنحى هو ما يطلق عليه فى الثقافة المعاصرة الفكر الشمولي، أى ذلك النزوع الذى يرفض تعدد التيارات الفكرية ويفرض بالقوة فكرا واحدا على المجتمع بأسره. هذا المفهوم الغريب قد بدأ حالياً يخبو شيئاً فشيئاً، فدعاته قد بدأوا يتخلون عنه ويقبلون بالتنوع الفكرى فى المجتمع، ولكنه للأسف ما زال يجد أنصاراً لا يفهمون كيف يمكن للمواطن المصرى أن يكون مسلما وليبراليا فى الوقت نفسه، وكيف يمكن أن يوجد فى المجتمع ماركسيون يمارسون حقوقهم فى التعبير والعمل السياسى بحرية.

بالطبع من حق أى مواطن أن تكون له مرجعيته الدينية التى ينظر بها لأحداث العالم من حوله، ولكن مخاطر الاستبداد تأتى من مطالبة هذا الاتجاه أن يحتكر وحده الساحة الفكرية ومنع الاتجاهات الأخرى بالقانون أو بالاتهام بالعمالة أو بالتكفير.

الاستخدام الآخر لمصطلح المرجعية الدينية والذى يزداد يوماً بعد يوم هو الاستخدام السياسى والذى ظهر فى تعبير "دولة مدنية بمرجعية دينية". وهو تعبير لم يُستخدم فى تاريخنا الفكرى على الاطلاق ولكنه ظهر فقط خلال العشر سنوات الأولى من هذا القرن. وكان الهدف منه تجاوز الاستقطاب الذى يقسم المجتمع نصفين: فهناك من جانب من يطلقون شعارات الاسلام هو الحل وتطبيق الشريعة الاسلامية، وفى الجانب الآخر يرفع المعارضون لذلك شعار الدولة المدنية. وقد استند أنصار الدولة المدنية إلى ميل الشعب إلى إجراء انتخابات نزيهة والتخلص من احتكار أسرة مبارك للسلطة وتحقيق تداول فعلى لها، والرغبة فى مجلس شعب حقيقى يقوم بالتشريع والرقابة وليس مجرد ديكور، وهذه كلها ملامح للدولة المدنية لا تتوافق مع الشعارات الدينية المرفوعة مثل الاسلام هو الحل وتطبيق الشريعة. هنا لم يجد الإخوان المسلمون مفراً، فيما سمى وقتها فى 2006 بمشروع برنامج سياسى مطروح للتدوال وإبداء الرأى، من الاعتراف بالتداول والتعددية وقواعد اللعبة الديمقراطية ورفعوا شعار دولة مدنية بمرجعية دينية. ومن هنا جاء هذا الشعار للخروج من مأزق الاختيار بين الانحياز للدولة الدينية التى تخالف الديمقراطية، أو الإيمان بالديمقراطية التى تقضى بالتخلى عن الصياغة الدينية للمجتمع وترك أمر الحكم للبشر بحسب ظروفهم.

شعار الدولة المدنية بمرجعية دينية قد يرضى جميع الأطراف، ولكنه فى الواقع العملى تعبير ملتبس تتعدد تفسيراته. ومن يرفعون هذا الشعار فرحون بهذا الالتباس ويستخدمونه للتلاعب والتهرب أكثر من مرة فى اليوم الواحد وحسب الظروف. فتتراوح دلالة المرجعية الدينية هنا بين كونها مجرد إشارة لبعض الملامح الثقافية للمجتمع مثل أن الاسلام هو دين الأغلبية ومبادئ الشريعة مصدراً للتشريع، وهو تفسير معتدل لا يتعارض مع الدولة المدنية وبين تفسير آخر يرى أن المرجعية الدينية تعنى تطبيق الشريعة. وكثيرا ما نسمع منهم تعبير "دولة مدنية تطبق الشريعة الاسلامية"، وهو ما يعنى نسف الدولة المدنية من أساسها لأنها تعنى أن الأمة بجميع مواطنيها هى مصدر التشريع ومصدر السلطات.

هذا التراوح فى التفسير حسب الظرف السياسى وحسب درجة غليان الشارع يُعدّ مؤشراً غير مريح لأنه يعنى أنه فى السجال السياسى الراهن فى بلادنا يتقدم التحايل السياسى وتتوارى الرؤية الإستراتيجية لمستقبل البلد. لاضرر على المجتمع فى أن يكون هناك حزب أو أحزاب تتمسك بالمرجعية الدينية، ولكن مخاطر الاستبداد تبدأ من فرض المرجعية الدينية على الدولة لأنها تعنى ببساطة تسويغ محاكمة المعارضة بتهمة الخروج على الدين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى للابد

تعنى ببساطة تسويغ محاكمة المعارضة بتهمة الخروج على الدين.

عدد الردود 0

بواسطة:

السكري

وكأننا حقل تجارب

عدد الردود 0

بواسطة:

م طارق محمد

صدقت سيدى وخذ هذة الامثلة

عدد الردود 0

بواسطة:

سليمان فوزى

100%

عدد الردود 0

بواسطة:

د.أســـامه

يا عم انت حل عن دماغنا بقي الناس بتغلي من اختطاف الثورة وانت قاعد تهجص

عدد الردود 0

بواسطة:

د.مصطفى غلوش

و ماذا عن أوامر الله ؟؟؟؟؟؟؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

hassan

ولماذا لا ترضى أيها الكاتب بالشريعة ؟؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

mido2011

ليس له معنى

عدد الردود 0

بواسطة:

سعيد السنارى بكرى

المرجعيه الدينيه =المرادف للدوله الدينيه

عدد الردود 0

بواسطة:

حسام المسلم المصري

مهما نَفرتم وخوفتم من تحكيم الشرع فإن شعب مصر المؤمن الذي يخاف الله ويحب دينه لن ينخدع بك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة