نبيل عمر

الثورة الضائعة والثورة المضادة!

السبت، 24 سبتمبر 2011 03:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يجتمع مصريان الآن إلا وشيطان هذا السؤال ثالثهما: مصر إلى أين؟!
سؤال بلا إجابة.. أو سؤال لم يملك المجتمع له إجابة بعد، ومازال يتخبط بين دروب تبدو بلا نهايات معلومة.

وغياب الإجابات صنع حالة من الارتباك الذهنى والنفسى ضاربة فى كل جنبات الحياة المصرية، كما لو أن هناك قوة مجهولة تستنزف المجتمع وتستهلك طاقاته العصبية، كى تعيد إنتاج النظام القديم الذى ثار عليه المصريون وأسقطوا رأسه فى 11 فبراير.

وللأسف يميل المرء إلى هذه الرؤية المتشائمة، ويجد لها براهين وقرائن تكاد تنطق بها.. كما لو أن المصريين تخلصوا من أسهل «عناصر» النظام القديم، وهى «حكامه الأقوياء» المباشرون، ولم يتمكنوا حتى الآن من خلخلة النظام نفسه أو كسر شوكته.

والنظام القديم الذى مازال يعمل ليس هو حسنى مبارك ولا صفوت الشريف ولا زكريا عزمى ولا فتحى سرور ولا أحمد عز، هؤلاء وغيرهم كانوا «رموز» قوته وأدوات سيطرته ومراكز إدارته، حسب دور كل منهم ووظيفته.. فالنظام يتجاوز أفراده مهما كانت مكانتهم وقدراتهم التى يخيل للبعض أنها «أسطورية» وغير قابلة للتجزئة أو المساس بها.

النظام فى الأصل هو مجموعة القيم والقواعد والمعايير التى تحكم أنشطة كل أفراد الدولة ومؤسساتها، وتحدد علاقاتها ببعضها البعض صعودا وهبوطا.. وبالتالى النظام ليس هو رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.. وهو كل المجتمع تقريبا فكرا وعملا، بمؤسساته: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ورياضية وترفيهية، ويمكن لأى نظام أن يتخلص من رموزه وأدواته ومراكزه القوية الحاكمة ويستبدل بها رموزا وأدوات جديدة، تلعب نفس الوظائف وتمضى على نفس الدروب، حتى لو تلونت وأخذت أشكالا جديدة ومظاهر مختلفة عما سبقها.
وهذا ما يحدث فى مصر الآن بالضبط.. لا تصنعه الثورة المضادة كما يحاول كثيرون أن يفسروا لنا الحالة التى نحن عليها، بقدر ما يصنعه المصريون أنفسهم، على اختلاف رؤياتهم ومشاربهم وأفكارهم ومواقفهم وطبقاتهم.

وهذا له أسباب واضحة للغاية:

أولا: حين ثار المصريون فى 25 يناير كان يعرفون تماما دون ذرة من غموض ماذا لا يريدون، كانوا لا يريدون استمرار الأوضاع التى خلقتها النخبة الحاكمة، ولا الرموز التى أدارت هذا النظام.. وفعلا تخلصوا منها فى 18 يوما فقط.. وبعدها لم يعرفوا: ماذا يريدون، وبالتالى لم يضعوا خريطة طريق صحيحة لما يريدون.

وشعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لا تعد خريطة طريق، هى مجرد أهداف كان يرفع مثلها رؤوس النظام القديم ثم يلقون بها فى أقرب صندوق للقمامة، فالشعارات أو الأهداف لا تتحقق من تلقاء نفسها مهما كان نبلها وعظمتها، وإنما بعمل جاد مرسوم تفاصيله بدقة، وكان يمكن أن نأخذ من تجاربنا وتجارب الأمم التى رفعت هذه الشعارات ونجحت فى أن تفسرها على أرض الواقع وننطلق، فنختصر مسافات ونبدأ من حيث انتهى الآخرون، لكننا لم نفعل هذا على الإطلاق، وراح كل فصيل يدشن فى أذهان الناس «تجربة» خاصة به يتصور أنها «جسره» السهل إلى السلطة، ولتذهب «مصر المتقدمة العصرية» إلى الجحيم، لم تعد مصر هى القضية، وصار من هم سعداء الحظ الذين يرثون النظام القديم: رموزا وأدوات ومراكز.

ثانيا: غياب الإجابات الصحيحة أفرز حالة من «تصفية الحسابات العنيفة» مع الماضى أكثر من التفكير فى المستقبل، وكل من كان على خصومة مع شخص أو مؤسسة أو جماعة أعلن الحرب عليها وطالب بالرقاب على أعواد المشانق، فانشغل الجميع بـ«سيرك المحاكمات»، ومارس الإعلام دور العازف الصاخب على طبول هذه الحرب، ووجه أضواء كاميراته الرهيبة إلى السيرك، ليخطف الألباب والأذهان، فتظل فى حالة توهان واندماج، تجرى خلالها عملية الوراثة من الجديد إلى القديم بنعومة ودون أن يتلفت إليها أحد.

ثالثا: النظام القديم لم يكن رموزا فقط، بل كان بشرا أيضا، والمصريون من الشعوب التى تتغير ببطء وتكره المغامرة، ويستهويها ما تعرفه أكثر من الذى لا تعرفه.. وهنا ظهر ما يسمى بالثورة المضادة ولعبت دورها، ليس دفاعا عن «مصالح» قديمة فقط، وإنما لتكون شريكا فى عملية الوراثة الجديدة.. خاصة أن البداية لم تكن صحيحة لا فى الاستفتاء على التعديل الدستورى ولا فى الإعلان الدستورى.. ومازلنا واقعين فى حبائل هذا الخطأ الكبير.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة