عودة الشركات المباعة

كانت عملية بيع شركات قطاع الأعمال العام، واحدة من مفاخر الإنجازات التى كان يرددها الرئيس المخلوع حسنى مبارك. وللتذكير فإن هذه العملية صاحبها ضجيج إعلامى كاذب، كان يتمثل فى تصدر تقارير يومية الصفحات الأولى من الصحف الرسمية، عن تحسن أداء الاقتصاد المصرى، وأنه يشق طريقه نحو معجزة مماثلة لمعجزات النمور الآسيوية، كما كنا نقرأ أخبارا خادعة عن توافد مسؤولين من دول العالم المختلفة للاطلاع على «معجزة» مصر فى الخصخصة والبيع النموذجى للشركات، والتى تتم دون مشاكل.

كان مبارك يتعامل مع بيع الشركات بوصفه مشروعا قوميا، وكان هو وأركان نظامه لا يجدون ردا على معارضى البيع إلا بتوصيفهم أنهم «دقة قديمة»، وبعد ثورة 25 يناير ظهرت كل الحقائق لتفضح عملية الخصخصة برمتها، وتكشف حجم الفساد الذى تم فيها، وأنها لم تكن فى الصالح العام أبدا، وإنما لصالح قلة فاسدة تسعى لاحتكار كل شىء.

وقبل أيام ظهرت حقائق مهمة فى هذا الملف، متمثلة فى بيع شركة «المراجل البخارية»، وهى من أوائل الشركات التى تم بيعها، وتم تشييدها عام 1962، كبنية أساسية لدخول مصر إلى عصر الطاقة النووية، ولهذا كانت موضع اهتمام خارجى لشرائها لتجريد مصر من هذا البنيان القوى، أما الحقائق التى ظهرت فتتمثل فى تقرير مفوضى الدولة، والذى أوصى باسترداد الدولة جميع ممتلكات وأصول ومعدات الشركة، وإعادة العاملين إلى سابق أوضاعهم، وذلك بعد أن تم تسريح نحو 5 آلاف عامل، وتغيير نشاط الشركة، وتحويل أرضها إلى مشروعات عقارية حتى تدر أرباحا سريعة لملاكها.

هذا التقرير هو إدانة صارخة وقاطعة لنهج الخصخصة، وتأكيد على حجم الفساد الذى استشرى بسببها، وكان ذلك يتم تحت سمع وبصر المسؤولين الذين كانوا يسيرون على نهج منظم فى الفساد، كما أنه يأتى استباقا لقضايا أخرى من المتوقع أن تنتهى إلى نفس نتيجة تقرير «المراجل البخارية»، ويأتى أيضا مع تحقيقات النائب العام فى ملف بيع شركات قطاع الأعمال العام، وما صاحبه من فساد، غير أن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذه القضية هو: هل يمكن بمقتضى الأحكام القضائية أن تعود الشركات التى تم بيعها إلى ملكية الدولة مرة أخرى؟، وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فهل هناك استعداد لذلك؟