هناك أيام تمر فى حياتنا ولا نشعر بها، وهناك يوم يمر علينا لا نستطيع أن نمحيه من ذاكرتنا، بل يؤثر فينا وكان هذا اليوم عندما طلب منى رئيس تحرير الجريدة التى أعمل بها أن أذهب إلى أسر الشهداء بمدينتى مدينة بورسعيد، فكان عملى مقتصراً على مقابلة اثنين من أسر الشهداء أحدهما اسمه محمد التميمى والآخر محمد راشد فذهبت إلى والدة الشهيد محمد التميمى فى البداية وعندما دخلت منزلها وجدت صورة ابنها فى كل مكان يجعلك تشعر وأنت جالس بأنه بجانبنا وعندما بدأت الأم تتحدث عن ابنها وجدتها مثل الكثير من الأمهات مليئة بالحنان ودفء الأمومة، لا يهمها شىء فى هذه الحياة سوى أبنائها ولم تهتم بالسياسة قط وكان ابنها مثلها وعلى الرغم أنه كان شاباً يافعاً وكان يبلغ من العمر 25 عاما، ولكن وهى تتحدث عنه كأنها تتحدث عن طفل وعلى الرغم أن محمد ليس لديه ميول سياسية ولكن بدافع الفضول وحب الاستطلاع فالقدر جعله يذهب هو وصديقة ليرى ما يدور فى البلد إلى المكان الذى استشهد فيه.
وكان الشىء الأكثر غرابة عندما وجدت أن هذه الأم تقوم بتسجيل جميع المحادثات التليفونية منذ عام مع ابنها وكأن قدر الله أراد أن يكون صوته معها دائما فقلت فى نفسى يا سبحان الله.
وعندما كنت أتحدث معها جاء الأب المكلوم وعليه صلابة ولكن عندما تنظر إليه تجد عينه تذرف بالدموع وأصبح يقول لى شيئا واحدا فقط لا أستطيع أن أنسى كلامه إذا لم يتحاكم من قتل ابنى فسوف أقتله فعندما ناقشته قال ماذا أفعل إذا كان هناك شاهد يعلم مواصفات قاتل ابنى وبعض المسئولين يعرفون من المقصود ولم يصرح أحد به وعلى الرغم من ذلك إذا لم يتحاكم فماذا أفعل غير القصاص ومستعيناً بكلام الله سبحانه وتعالى (وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهنا طرح لى سؤالاً مفاجئا ماذا تفعلين إن كنتِ مكانى وهنا صمت وقلت أخشى أن تقتل نفساً بغير حق.
ومن ثم ذهبت إلى والدة الشهيد محمد راشد هذه السيدة التى لديها روح الثورة والتغير والتى تمتزج بين الصلابة واللين ولا تسطيع أن تحدد هل هى فرحانة لأن ابنها مات شهيد، أم حزينة لأنها اشتاقت إليه ولكن بعد مقابلتى لها وجدتها سيدة لديها الفكر والوعى السياسى الذى يقنعك بأنها سعيدة بالثورة وسعيدة بان ابنها كان مشاركا فى التغيير لأنه كان يرى أنه لابد من أحد يضحى لكى يعيش آخرون ويسعدون بحياة عادلة وكان الجميل أنها على خلاف أسرة الشهيد محمد التميمى بأنها واثقة بأن من قتل الشهداء سيحاكم وحتى إذا لم يحاكم فى الدنيا سيحاكم فى الآخرة.
وعندما انتهيت راودنى داخل نفسى عدة تساؤلات ماهو القادم فى الأيام المقبلة؟ وهل سيتحاكم المسئولون عن قتلة الثوار أم ستكون النهاية القاتل هو الشعب؟ وهنا تذكرت قول الله سبحانه وتعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (.
