يذكر المؤرخ الكبير الراحل الدكتور حسين مؤنس فى كتابه الرائع "دراسات فى ثورة 1919" واقعة كان شاهدا عليها. كان ذلك إبان اشتداد أزمة قناة السويس عام 1956، وفى أغسطس من العام المذكور عقد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مؤتمرا صحفيا دوليا فى دار الأوبرا بالقاهرة، وكان الدكتور مؤنس من بين المترجمين فى سكرتارية المؤتمر للترجمة عن عدد من الصحفيين القادمين من أمريكا اللاتينية. وبعد انتهاء المؤتمر اندفع الصحفيون نحو عبد الناصر ليصافحون ويرونه عن قرب، وكان من بينهم صحفى فنزويلى مع مرافقه المترجم (الدكتور حسين مؤنس)، وتوجه الصحفى الشاب مخاطبا الرئيس جمال عبد الناصر:
- عندى سؤال يا سيدى الرئيس، ولكنى أخشى أن يكون خارجا عن موضوع أزمة القنال..
- اسأل عما تريد..
- هل صحيح أنكم أمرتم ببناء كنيسة؟
فنظر إليه الرئيس مليا ثم سأله فى ذكاء:
- هذا السؤال من عندك؟ أقصد: لماذا تسأل؟
- إنه ليس من عندى.. إنه ضمن الأسئلة التى طلبت منى جريدتى "لاناثيون = الأمة" أن أوجهها إلى سيادتكم.. (وقرأ من ورقة:) هل أمر الرئيس عبد الناصر ببناء كنيسة؟
فابتسم الرئيس وقال:
- كنيسة واحدة؟ ولماذا واحدة فقط؟ هذا بلد المصريين: مسلمين ومسيحيين، من مئات السنين؛ والدولة ليس لها أن تصرح أو لا تصرح ببناء مساجد أو كنائس.. من يُرد أن يبنى مسجدا فليبن مسجدا، ومن يُرد أن يبنى كنيسة فليبن كنيسة.. فالمسجد مصرى والكنيسة مصرية.. نحن نقول: الدين لله والوطن للجميع.. هذا أحد شعارتنا.. ألم تقرأ هذا الشعار؟
- تقصدون أن سياستكم تقوم على المساواة بين المسلمين والمسيحيين؟
- ليست لنا سياسة "دينية".. سياستنا "مصرية"، وهذا يكفى. وأعداؤنا الذين يهددون بإعلان الحرب علينا إنما يهددوننا جميعا: مسلمين ومسيحيين.. والعرب الذين طردهم الإسرائيليون من بلادهم مسلمون ومسيحيون.. هل يكفيك هذا الرد؟
- كل الكفاية.. أشكركم جدا.
ولم يكن إيمان عبد الناصر ووعيه بأن الوطن للجميع: مسلمين وأقباط شعارا خاصا به ضمن شعارات ثورة يوليو 1952، لكنه إرث خالد من شعارات ثورة 1919، فقد رفعه ثوار تلك الثورة، وعبر زعيمها، سعد زغلول، عن ذلك أروع تعبير لما قيل له عندما اختار فى أول وزارة له (1924) اثنين من الأقباط ليكونا وزيرين فى وزارته: إن التقاليد قد جرت بأن يكون فى الوزارة قبطى واحد . فقال: "هذه وزارة الثورة، وعندما كان الإنجليز يطلقون علينا الرصاص لم يراعوا نسبة الأقباط إلى المسلمين؛ وعندما كانوا ينفوننا إلى سيشل لم يراعوا هذه النسبة، فقد كنا أربعة مسلمين واثنين من الأقباط؛ وعندما حكموا على أعضاء الوفد بالإعدام لم يراعوا النسبة أيضا، فقد كانوا ثلاثة أقباط وأربعة مسلمين.."
وكذلك لم تراع سلطة مبارك الغاشمة تلك النسبة فى ثورة يناير 2011 ، بل كانت تقتل وتسحل وتضرب وتعذب الشباب المصرى الثائر دون تفرقة بين مسلم ومسيحى؛ وحينئذ استعيدت بكل تلقائية الأيقونة المباركة "الدين لله والوطن للجميع"، ودُوّى الشعار فى جنبات ميدان الثورة وطبقه الثوار عمليا، فوقفوا جميعا يدا واحدة وقلبا واحدا ومصيرا واحدا من أجل هدف واحد وهو "إسقاط النظام"، ولتحقيق مبادئ الثورة المُجْمع عليها.
حقيق بكل مصرى مخلص لوطنه، مسلم أو قبطى، ألا يؤمن فقط بهذا الشعار الخالد، بل أن يقرن به العمل على تحقيقه على أرض الواقع، فنجْنى جميعا المساواة والعدالة والديمقراطية وينجو وطننا من التشرذم والضعف والتخلف.
فخرى الوصيف يكتب: "الوطن للجميع" أيقونة الثورة المصرية
الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011 12:22 ص
جمال عبد الناصر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصريه
ذكرت عبد الناصر بالتقدير
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد عبد القوى
زمن الرجال
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
لماذا ذكرت المجرم جمال عبد الناصر
عدد الردود 0
بواسطة:
أيفون سمير
عبد الناصر اتقلب على محمد نجيب
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد متابع تعليقاتك الهايفة
إلى مصرى أو مصرية رقم 1
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الغني
ارحمني يا الله من التعليقات البدائية !!!
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد المنعم المصرى
الى رقم ثلاثة
عدد الردود 0
بواسطة:
شهرت وهبة
موضوع راائع