تذكرنى الخلافات القانونية القائمة من أجل التوصل إلى اتفاق حول وثيقة للوفاق الوطنى، والتى نعيشها هذه الأيام، بخلافات أخرى شبيهة، كانت جرت فى الأيام الخوالى من سبعينيات القرن الماضى.
كان ذلك فى العام 72 على وجه التحديد، وكنا مدعوين لحضور مهرجان المربد الشعرى الثانى فى بغداد، وكان الوفد المصرى مكوناً من الأساتذة الراحلين الشيخ العلامة محمود شاكر والدكتور عبدالقادر القط ورجاء النقاش وسامى خشبة وعفيفى مطر «وانتبه، فى المناسبة الكريمة أنه لم يعد باقياً على قيد الحياة من أعضاء هذا الوفد الكريم سوى صديقنا الدكتور صبرى حافظ أطال الله عمره، وكاتب هذا الكلام أطال الله، أيضاً، عمره».
المهم أننا ما إن وصلنا وبدأت الأمسيات تعقد والشعراء من العالم العربى، وكان يتقدمهم الراحل نزار قبانى، يتلون خرائدهم، حتى لوحظ ما لفت أنظار الجميع، وهو انشغال الجماهير عن حضور الأمسيات، والتمامها حول حادثة كانت استحوذت على الشارع العراقى المحب للآداب عموماً، حتى إن قولاً مأثوراً كان استقر مؤداه أن: «مصر (تلك الأيام طبعا) تؤلف، وبيروت تطبع، والعراق يقرأ».. ثم إننا لم نلبث أن تبينا حقيقة الأمر وبدأنا نتابعها عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة.
قبل وصولنا بفترة وجيزة، وفى باحة المشرحة بالعاصمة بغداد، كان الخفير يجلس ليلاً يشرب الشاى ويدخن، عندما التفت إلى تلك الناحية، وفوجئ بعدما دقق جيداً، أن الرجل المتوفى الذى جرى إعداده للدفن قام من مرقده وفتح الباب المغلق وبدأ يغادر مرقده ويقترب حثيثاً وهو يناضل بيديه وقدميه كى ما يحرر نفسه ويفلت من كفنه الملفوف. وهنا، بالضبط، استولى الذعر كاملاً على الخفير من هذا الشبح أو العفريت الذى اقترب فى صمت الليل، فتناول بندقيته سريعاً وأطلق النار على صدره، وسقط الذى كان استيقظ، فى ساحة المشرحة غارقاً فى الدماء، وراح يجرى بكل قوته فى شوارع المدينة رافعاً عقيرته بالصياح، والنداء على أى كان.
قبض على الخفير إذن، وانشغلت بغداد كلها بحكاية الرجل الذى استيقظ من الموت والخفير الذى أطلق عليه النار، من خوفه، وأرداه قتيلاً، وبدأت المحاكمة مع الأيام الأولى لوصولنا.
كان دفاع أهالى المتوفى يطالبون بالحكم على الخفير بالإعدام لأنه كان يجب أن يتثبت أن الرجل كان حياً قبل أن يطلق عليه النار، لأن ذلك كان جلياً بعدما رآه بأم عينيه وهو يناضل فى كفنه لكى يخلص نفسه ويبدأ حياته الجديدة المستحقة، كان عليه أن يمنحه فرصة ذلك حتى تتبين الحقيقة لكل الأطراف بحيث لا يكون هناك مجال لأى ظل من الشك، فليس معقولاً وقد كتبت لإنسان فرصة حياة جديدة أن يأتى هذا وينهيها نتيجة سيطرة بعض المخاوف التى لا أساس لها من الصحة حيث إن القتيل حين قتله كان يقف على قدميه حياً ومجاهداً من أجل مواصلة الحياة.
حدث لك بينما ارتفعت أصوات الدفاع عن المتهم تطالب بالعقوبة المخففة مراعاة للحالة النفسية التى كان عليها، خصوصاً بعد المباغتة التى تعرض لها، وهو الفقير المسالم الذى كان يشرب الشاى ويدخن السيجارة، وهو خلى البال من كل شىء، بعدما رأى رجلاً كان يثق فى موته وهو يقوم من هذا، وهو الشىء الذى لم يجربه أحد من قبل.
سيطرت القضية إذن على الدنيا من حولنا ورحنا نلمسها ونتابعها فى البيوت والشوارع والمقاهى والبارات وصالات الفنادق والمطاعم وخلافه.
حينئذ تطوعت جماعة ممن اعتادوا تصدر المشهد وطالبوا ببراءة المتهم لأن القتيل كان استخرجت له شهادة وفاة، أى أن من أطلق النار لا يحاسب قانوناً لأنه أطلقها على من لا وجود له.
هكذا صار جدلاً جديداً، مؤداه أن الضرب فى الميت حلال، حتى لو كان حياً.
وللأسف، القضية لم تنته حتى عودتنا من هناك.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد رجب
دائما رائع يا استاذنا
عدد الردود 0
بواسطة:
طه موسى
مشهد متكرر بالفعل!!
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو الروس
دمك خفيف
دمك خفيف يا خفيف ياللي مش لاقي حاجة تقولها
عدد الردود 0
بواسطة:
بسانتي
المغزي مفهوم
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد فوزى
إبراهيم أصلان
عدد الردود 0
بواسطة:
هشام
الي صاحب التعليق رقم 3
عدد الردود 0
بواسطة:
منال نور
اختصار للمقال لضيقى الوقت
عدد الردود 0
بواسطة:
Ebrahim
لى صاحب التعليق رقم 3
عدد الردود 0
بواسطة:
العرف بأمر الله
يا راجل
عدد الردود 0
بواسطة:
hommos
Kit Kat
مش الراجل دة بتاع ( الكيت كات )