"احتل الصليبى موقعا كبيرا فى مجال التأريخ، ورغم أن بعض أعماله كانت مثيرة للجدل، إلا أن له مركزا مرموقا فى الحياة الفكرية اللبنانية والعربية، وقد أغنى المكتبة العربية واللبنانية بأبحاث معمقة ومكتوبة بأسلوب شائق وجميل".
بهذه الكلمات نعى المؤرخ والكاتب اللبنانى جورج قرم، الكاتب اللبنانى المثير للجدل "كمال الصليبى" والذى توفى أمس الخميس عن عمر يناهز 82 بعد حياة فكرية مليئة بالدراسات والأبحاث والقراءات المعنية بتاريخ لبنان والمنطقة العربية وتاريخ الديانات.
عُرف الصليبى بالآراء المغايرة والتى وضعته فى مرتبة متقدمة ضمن قائمة الكتاب الأكثر جدلا فى العالم العربى، وذلك بعدما قدم أطروحته الأشهر "التوراة جاءت من جزيرة العرب"، وفى هذا الكتاب طرح الصليبى نظريات جديدة بشأن جغرافية التوراة، تخالف الاعتقاد السائد بشأن الجغرافية الحالية.
واستند فى نظريته إلى بحوث فى الجغرافية اللغوية وفى الآثار، جعلته ينسب الكثير من مواقع أحداث العهد القديم إلى مناطق واقعة فى جنوب غرب الجزيرة العربية، سبب العداء الصهيونى الواضح والموقف الهجومى بشكل عام ضد الكتاب يعود إلى النتائج التى خلص إليها.
المؤلف طرح نظرية جديدة تقوم على وجوب إعادة النظر فى "الجغرافيا التاريخية للتوراة"، إذ يثبت أن أحداث "العهد القديم" لم تحدث فى فلسطين، بل وقعت فى جنوب غربى الجزيرة العربية، ويستند فى ذلك إلى أدلة اكتشفها فى مجالى اللغة والآثار، ويقارنها بالمألوف السائد من "الجغرافيا التاريخية للتوراة".
أما الهجوم على الكتاب من جانب الأوساط العربية فمرده الزعم أن الكتاب يحمل دعوة لاحتلال بلد عربى آخر، وعن ذلك يقول الدكتور الصليبي: "من يقول هذا القول فإنما يعترف بحق الدعوة الصهيونية ويؤمن بصحتها، من حيث المبدأ، وهكذا نكون كمن يوافق على حق شعب فى أن يعود إلى الأرض التى كان موجودا فيها قبل ألفى سنة، المبدأ خطأ، فأنا لا أقول لليهود من خلال كتابى - عودوا إلى عسير واتركوا فلسطين".
خلاصة الكتاب تشير إلى أن البيئة التاريخية للتوراة لم تكن فى فلسطين، بل فى غرب شبه الجزيرة العربية، بمحاذاة البحر الأحمر، وتحديدا فى بلاد السراة بين الطائف وجازان على مشارف اليمن.
والصليبى الذى ولد ببيروت فى الثانى من مايو 1929، عُرف عنه اهتمامه وشغفه بالآداب، والفنون، والموسيقى على وجه التحديد، حيث أتقن العزف على البيانو، وتخرج فى الجامعة الأميركية ببكالوريوس فى التاريخ والعلوم السياسية، وفى عام 1953 حصل على شهادة الدكتوراة فى تاريخ الشرق الأوسط من جامعة لندن، وكانت أطروحته بعنوان "المؤرخون الموارنة وتاريخ لبنان فى القرون الوسطى".
والصليبى الذى ستشيع جثمانه يوم السبت المقبل كتب مؤلفاته باللغتين العربية والانجليزية، وترجم معظمها بنفسه، أو بإشرافه أو بمراجعته، ومن أبرز مؤلفاته "تاريخ لبنان الحديث"، و"تاريخ الجزيرة العربية"، و"بلاد الشام فى العصور الإسلامية الأولى"، و"بيت بمنازل كثيرة"، و"البحث عن يسوع: قراءة جديدة فى الإنجيل"، و"حروب داوود" وغيرها، وقد تُرجمت العديد من مؤلفاته إلى لغات عديدة، وكتب بلغة أدبية كتابا يؤرخ لسيرته وذكرياته تحت عنوان"طائر على سنديانة".
عدد الردود 0
بواسطة:
رضا ابو سريع
الله يرحمه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود خطاب
الله يرحمه