الموناليزا هى إحدى روائع ليوناردو دافنشى والمعروفة أيضا بالجيوكندا.. اكتسبت هذه اللوحة شهرتها العالمية من الغموض، الذى يلف صاحبه اللوحة، والذى يبدو جليا فى نظراتها التى حار فى ترجمتها خبراء فن التصوير.
وقد تباينت الآراء حول بسمة شفاه الموناليزا.. كل قام بترجمة هذه الابتسامة حسب حالته النفسية، فإذا كنت مكتئبا وحزينا ستجد أن ابتسامة الموناليزا هى ابتسامة سخرية وأنت تطالعها، وإذا كانت معنوياتك مرتفعة ستجد ابتسامتها مليئة بالمشاعر الدافئة.. أما إذا كنت من المطحونين فى الأرض ستجد الموناليزا تخرج لك لسانها لكى ترفع مقاساته.
وهكذا تتباين الآراء باختلاف المختصين وأساتذة الطب النفسى لتفسير ابتسامة الموناليزا.
خلال الإجازة الصيفية الماضية تحتم على أثناء تواجدى بالقاهرة إنهاء بعد الأوراق الرسمية بدوائر الحكومة الإلكترونية بقيادة القرية الذكية والعقول المهلبية، وما إن وطئت قدماى المصلحة حتى امتلأت رئتاى بكمية لابأس بها من الغازات الحبيسة والساخنة التى تبحث لها عن مخرج من المبنى المكتظ، وبالطبع كانت الملاحظة الأولى هى كمية المياه الناتجة عن العرق والتى جعلت السادة المواطنين أصحاب المصالح كأنهم غرقى خرجوا من سفينة نوح، لم أجد كرسيا كى أجلس عليه بعد رحلة الوصول إلى المقر الحكومى فتحملت صابرا محتسبا لهذا الظرف الطارئ، كما أننى كنت أعانى من عطش شديد فى عادة ما يتكرر معنا فى قيظ شهر يوليو استلزم أن أخرج لأشترى سطلا من الماء عوضا عن تلك الكمية من المياه التى ضاعت منى نتيجة النتح الذى تم عبر مسام بشرتى الخشنة.
وحتى لا أطيل عليكم، تمكنت بعد معاناة من الوصول إلى الموظف المختص، وقد كنت أعتقد أن جميع أوراقى مستوفاة.. هكذا صور لى خيالى المريض خصوصا أنى قمت بسداد جميع الرسوم المطلوبة صاغرا دون تزمر أو اعتراض.. إلا أنه نظر إلى وقد انتفخت أوداجه وصاح.. الأوراق ناقصة يا أستاذ.. روح كملها وتعال، ولم يوضح لى معاليه أوجه النقص فى الأوراق، كما أنه لم يدرك كم المعاناة والوقت الذى قضيته مابين ذهاب إلى مصالح أخرى لتجميع المستندات والانتظار فى صفوف لا تنتهى إلا بعد انتهاء أوقات الدوام الرسمية التى تعلن عن فض اعتصام المواطنين الغلابة من داخل أروقة المصلحة الحكومية، مابين همهمات الحضور وأصوات مختلفة متداخلة مابين ادفع له، وصوت آخر متداخل بريزة، شلن، خمساية.
شرد خيالى وأنا متسمر بمكانى أمام الموظف أتخيل كم المعاناة التى واجهتها كى أتمكن فقط من الوقوف، أما هذا الموظف الهمام متجاوزا كل العقبات والحواجز ظنا من أنى أسير فى الخط الذى رسمته لى الحكومة كى أحصل على أبسط حقوقى فى استخراج أوراق رسمية، ولم أفق من سباتى العميق إلا على دفع المواطن الذى يلينى فى الصف وهو يصيح متزمرا وسع يا أستاذ خلينا نخلص.
تأملت المكان جليا.. فإذا بى أشاهد صورة كبيرة للرئيس المخلوع وقد رسمت على شفاهه ابتسامة الموناليزا الغامضة للمطحونين فى الأرض.
