معصوم مرزوق

الانبطــاح.. ونظرية التوسل!!

السبت، 17 سبتمبر 2011 03:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أظن أن هذا هو وقت الكلام، كما أنه ليس وقت الصمت، وإذا كان وقت الفعل، فلست أدرى أى فعل؟ قد يكون الأنسب هو التوارى أو التلاشى إذا أمكن ذلك. تكرر الأنظمة العربية بشكل حاسم تضامنها مع الشعب الفلسطينى، وإذا كان ذلك الشعب ينبطح حاليًا كى يتفادى القذائف والطلقات الإسرائيلية الغاشمة، فعلى الشعب العربى من المحيط إلى الخليج أن يمارس الانبطاح لإظهار التضامن مع أشقائهم الفلسطينيين فى الأرض المحتلة تنفيذًا لمقررات القادة فى قممهم.

الحقيقة أن نوعى الانبطاح مختلفان، فالطفل الفلسطينى عندما ينبطح إنما يتفادى رصاصة أو قنبلة، بينما الرجل الفحل العربى فى أى مكان آخر إنما ينبطح كى يتوارى أو يوارى سوأته، ولكن هل يستطيع ذلك الأخير مهما أمعن فى التوارى أن يتوارى عن نفسه؟! الانبطاح الفلسطينى مقاومة، والانبطاح العربى استخزاء ومهانة.. الفلسطينى قد يضطر اضطرارًا للانبطاح بسبب القذائف المتطايرة وحمم الجحيم المتناثرة، ولكن ما مبرر الانبطاح العربى؟ المنبطح الفلسطينى ينهض وهامته مرفوعة، بينما المنبطح العربى اعتاد على الركوع، بل والسجود.

مبادرة السلام العربية التى تمخض عنها جبل مؤتمرات القمة العربية، وفى ظل الانتهاكات الصارخة للحكومة الإسرائيلية، هى تجسيد سياسى حى لمعنى الانبطاح. سوف يقفز الآن ألف متحذلق ليصرخ فى وجه السطور السابقة قائلاً: «وما البديل؟» وبعد أن يقفز هذه القفزة الهائلة، فمن المؤكد أنه سوف ينبطح، سينبطح حتى قبل أن يسمع الجواب، فهو يعرفه، وهو يخشاه، وهو يرجو أن تبتلعه الأرض حتى لا يسمع صوت الحقيقة.. الحقيقة غير المنبطحة.

ولكن ما الحقيقة؟ الحقيقة أنه من الممتع المسلى والمثير، فى آن واحد، أن أمتنا العربية لا تفرغ جعبتها أبدًا من النظريات والاصطلاحات والمحسنات البديعية، فعلم الكلام لدينا لا ينفد زاده، ولساننا المبروك لا يجف مداده، ولدينا لأى مقام مقال، ولكن الأعجب هو أنه لدينا المقال أيضًا إن عز المقام أو حتى أصابه الانحطاط. لقد كانت القضية الفلسطينية وعاءً عربيّا فريدًا تجمعت فيه كمية لا بأس بها من الألفاظ والمصطلحات والنظريات، فلقد تفتحت عيوننا على مصطلح «النكبة»، ثم تردد بقوة مصطلح «عائدون»، و«فدائيون»، و«حرب حتى النصر»، ثم «النكسة» و«إزالة آثار العدوان»، و«لا تصالح ولا تفاوض ولا اعتراف».. ثم «99 % من أوراق اللعبة لدى أمريكا» ثم «السلام خيار استراتيجى» ثم «أوسلو» و«السلطة الفلسطينية» و«الهرولة» و«التطبيع»، ثم كان آخر المصطلحات وأكثرها إثارة هو مصطلح «التوسل» الذى أمطر فجأة فى لهيب زمن الانتفاضة.

صاحب براءة الاختراع للمصطلح الأخير هو وزير الخارجية القطرى، وقد دافع عنه فى مواجهة المنتقدين مؤكدًا أن الفلسطينيين يتوسلون للعرب، والعرب يتوسلون لأمريكا، ويجب أن نساعد الفلسطينيين فى التوسل، واتهم معارضى هذا المصطلح بأنهم يهربون من الحقيقة، لأن المسؤولين العرب حين يذهبون إلى واشنطن يزعمون أنهم أجروا مباحثات ومفاوضات، بينما الحقيقة أنهم لا يفعلون سوى «التوسل»!!

وهذا المصطلح لم يظهر فقط فى زمن الانتفاضة، وإنما أتى مباشرة أيضًا قبل انعقاد أحد أهم مؤتمرات القمة العربية، وربما كان المقصود من إلقاء هذا المصطلح هو تجريد اللفظ من الخجل أو العار، بحيث يدخل كريمًا مهيبًا فى القاموس السياسى العربى، ويصبح وصفًا عاديّا لا غضاضة فيه، وليس من المستبعد أن يتم تحريك بعض حروف هذا المصطلح فيصبح «التسول»، بحيث يمكن للعالم أن يفهمنا ويفهم حقيقة المقام والمقال فى آن.
وللحديث بقية..








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

التسول خيار استراتيجي

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

التسول والتوسل

عدد الردود 0

بواسطة:

أبو مصعب الهواري

الجهاد وعزة الأمة

عدد الردود 0

بواسطة:

أبو مصعب الهواري

لن ترجع فلسطين بالأحلام والآمال والإستجداء والإستخذاء

عدد الردود 0

بواسطة:

عبد الباسط

عروبة القضية

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة