كتاب جديد يوثق تاريخ تجارة السلاح فى الجزيرة العربية

الجمعة، 16 سبتمبر 2011 11:41 ص
كتاب جديد يوثق تاريخ تجارة السلاح فى الجزيرة العربية كتاب وثائق تجارة السلاح الألمانى فى الجزيرة العربية
كتبت نورا النشار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتناول كتاب "وثائق تجارة السلاح الألمانى فى الجزيرة العربية"، الصادر عن وحدة البحوث الوثائقية بدار الوثائق القومية، للباحث المصرى عمر رياض، الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة ليدن بهولندا، المذكرات الشخصية لزكى حشمت كرام.

ويبدأ الكتاب بتعريف زكى حشمت كرام، حيث ولد عام 1886 فى سوريا من أصل لعائلة فارسية، وقد بدأ كرام دراسته العسكرية فى سوريا، ومنها انتقل إلى اسطنبول، حيث أكمل دراسته فى الأكاديمية العسكرية.

وفى عام 1904 عين ملازما فى الجيش العثمانى، وفى أثناء الحرب العالمية الأولى عين قائدا لقوات البدو فى العريش فى شبه جزيرة سيناء. فى عام 1916 أصيب بشظية فى رجله اليسرى على مقربة من قناة السويس، وبعد فشل علاجه فى القدس نقل كرام فى عام 1917 إلى برلين لتلقى العلاج، حيث مكث هناك حوالى عامين، قرر الأطباء بعدها بتر قدمه اليسرى حتى الركبة.

وأثناء تلك الفترة كان كرام يستغل وقته فى كتابة مذكرات خاصة عن حياته، وكتب انطباعاته عن مدينة برلين، والحالة الاجتماعية والسياسية للعرب والمسلمين القاطنين فى ألمانيا آنذاك، وفى إحدى مذكراته اليومية ينتقد كرام زملاءه من العسكريين العثمانيين فى برلين بشكل كبير، وذلك لسوء سلوكهم بالمقارنة بأقرانهم الألمان الذين كانوا يقدرون مكانتهم العسكرية. وعلى نفس الدرجة لم يكن كرام مسرورا بأوضاع القنصلية العثمانية، وكذلك حال الموظفين الذين كان يصفهم بالفاسدين إداريا. وكان هذا كله بالنسبة له ما هو إلا رمزا مبسطا لتهلهل وتهاوى السلطنة العثمانية فى تلك الفترة.

عاش زكى حشمت كرام فى فترة شهد العالم العربى فيها خلال الحقبة الاستعمارية حركة قومية قوية كانت تدعو إلى توحيد العرب والمسلمين تحت راية تراث مشترك من التاريخ والثقافة واللغة والمصير، وكانت تلك الحركة تعمل جاهدة على محو أو تقليل التأثير الغربى المباشر على الهوية والمجتمعات العربية. وقد ضمت العديد من الشخصيات الهامة فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، أمثال الشيخ محمد رشيد رضا الذى كان يؤمن أن نهضة الإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال وحدة العرب فى مواجهة الاستعمار، وأن مقومات تلك الروح الوطنية العربية هى فى انسجام مع المعتقدات الإسلامية. والأمير شكيب أرسلان والذى كان أيضا متأثرا بأفكار الشيخين المصلحين جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وحول جهده السياسى من نزعته العثمانية إلى مفهوم القومية العربية والجامعة الإسلامية.

ويعرض الكتاب بداية علاقة كرام مع الأمير اللبنانى شكيب أرسلان فى برلين، والتى كانت السبب الرئيسى وراء الدور السياسى والعسكرى الذى لعبه كرام منذ ذلك الحين فى التاريخ العربى المعاصر بعد ذلك، حيث قدمه أرسلان إلى المشاهير من علماء المسلمين والوطنيين فى عصره. فعلى سبيل المثال اختير كرام رئيسا لفرع المؤتمر الإسلامى العام للقدس فى برلين، وكان أيضا عضوا مؤسسا فى المؤتمر الأوروبى الإسلامى فى جينيف تحت رئاسة أرسلان نفسه. كما كان كرام معجبا بفيصل ملك العراق آنذاك، حيث كان يعتبره أحسن السياسيين، والذى يستطيع تحقيق حلم الاستقلال للعالم العربى.

وفى نفس الفترة، بدأ يستغل كرام خبرته العسكرية فى تجارة السلاح، حيث عمل وسيطا فى الاتفاقات المنعقدة بين مصانع السلاح الألمانية وبعض الحكومات العربية والإسلامية، خاصة مع الحكومة المتوكلية اليمنية فى عهد الإمام يحيى، والتى كانت سياسته لا تسمح بالتدخل الأوروبى فى الشئون الداخلية، إلا أنه كان مستعدا لتسليح الجيش اليمنى بالدخول فى صفقات للسلاح مع المسلمين وغير المسلمين. وقد كان لتجار السلاح الألمان نصيب الأسد من تلك الصفقات، ولهذا السبب وبناءً على دعوة من الإمام يحيى سافر كرام إلى اليمن فى أعوام 1930 و1934 و1936-1937. ومن الوثائق الهامة الموجودة اتفاقية بين كرام والحكومة المتوكلية لإرسال شحنة أسلحة مكونة من 10.000 بارودة من صنف الماوزر الألمانى.
ومن خلال وثائقه الباقية يتبين أيضا أنه كانت ثمة علاقة مع وزارة الخارجية الأسبانية، حيث أصبح كرام ممثل الغرفة التجارية الأسبانية الشرقية فى برلين، حيث كان يصدر معدات طبية وأدوية وآلات طابعة إلى مدريد.

وقد توفى كرام 1946 بسبب مرض السرطان فى أحد مستشفيات السجن الأمريكى بعد سقوط برلين، ولكن الوثائق الباقية لا تقول أى شىء عن سبب القبض عليه وإلقائه فى السجن، ولا توجد سوى بعض التقارير الطبية المكتوب عليها "أسير حرب"، فمن المحتمل أن علاقاته بوزارة الخارجية الألمانية وسفره لعقد الصفقات العسكرية كانت من أهم الأسباب الرئيسية وراء ذلك. كما أن مذكرات يونس بحرى تكشف لنا سراً كان غامضاً فى مذكراته ووثائقه الخاصة، وهو أنه كان يعمل لحساب البريطانيين بشكل غير مباشر عن طريق الأتراك، وهو ما يؤكد لنا أنه يجب إعادة النظر فى النظريات التاريخية الموجهة التى دائما ما تبحث بشكل تأسيسى عن ربط العلاقة بين الحركات النازية والفاشية بالإسلام.

من خلال صفحات الكتاب نستطيع أن نستخلص أن تجارة السلاح الألمانى فى العالم العربى كانت تحدث على نطاق حكومى أو شبه حكومى، وكانت الأفراد تلعب فيه دوراً طبيعياً فى سياق تاريخى ملىء بالأحداث، وقد استغل المسلمون والعرب المقيمون فى أوروبا بعض تجاربهم العسكرية والاقتصادية فى رواج الأسلحة والمعدات الألمانية فى البلاد العربية، وكانت هذه الصفقات منوطة بأحداث وأفكار وآراء أيدلوجية كانت تسافر عبر القوميات فى فترة تموج بالأحداث الجسام، والتكلات الساسية والقومية بل والدينية، ويدلل على هذا بما كتبه عن "زكى كرام" كناشط مسلم مغمور فى برلين فى السياق التاريخى للتواجد الإسلامى فى ألمانيا فى فترة ما بين الحربين.

وتعكس مذكرات كرام انطباعاته وخبراته فى العاصمة الألمانية وتنقل لنا صورة ما عن الحياة فى تلك المدينة من خلال عيون عربية، وكيف كان القوميون المسلمون الأوائل قادرين على تشكيل شبكة جيدة من العلاقات، والتى من خلالها حاولوا تحقيق أهدافهم السياسية والعسكرية، وكانت علاقات كرام مع تلك الدوائر (خصوصا مع رشيد رضا، شكيب أرسلان وأمين الحسينى) قد مكنته من القيام بوظيفة سياسية وعسكرية نتجت عن طريق اتصالاته مع الشخصيات السياسية الرئيسية فى اليمن والعراق والمملكة العربية السعودية وشمال أفريقيا.

وعلى الرغم من أن زكى كرام كان شخصا هامشيا فى التاريخ الحديث، فقد أثبت لنا أنه كان قادرا على أن يلعب دورا معينا كأداة فى أيدى كبار الشخصيات المعاصرة كأرسلان، والذى قدمه إلى السلطات اليمنية كوكيل أسلحة مخلص موثوق، ومن خلال هذا الاتصال المنتظم مع أولئك الأشخاص لم يقتصر دور كرام على تسليح الجيش العربى وكسب المال، بل لعب كرام دورا آخر فى تعريف الشيخ رشيد رضا بالتطورات العلمية عن الإسلام فى ألمانيا، وحالة المسلمين فى برلين.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة