د. عبد الجواد حجاب يكتب: شدى حيلك يا بلد

الجمعة، 16 سبتمبر 2011 06:01 م
د. عبد الجواد حجاب يكتب: شدى حيلك يا بلد صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نعم بلدنا فى مرحلة خطيرة جدا، مرحلة انتقالية تعقب أى ثورة فى العالم، كلنا يعلم أن المرحلة الانتقالية للثورة الفرنسية والتى تعتبر أم الثورات كلنا قرأنا وسمعنا عن المقصلة التى قطعت الآلاف من الرقاب لاتفه الذنوب.

فى بلدنا مصر ولأنها محروسة قامت ثورتنا المباركة والتحم الشعب مع الجيش وتحمل المجلس الأعلى للقوات المسلحة عبء الإيمان بطلبات الثوار المشروعة، وعبء تحمل مسئولية تحقيق هذه المطالب، والمطالب بسيطة ولكنها أهم شىء فى حياتنا، وحرمنا منها عدة عقود، وهى الحرية والعدالة والمساواة.

المجلس الأعلى للقوات المسلحة حافظ على كيان الدولة من الانهيار وترك النظام الفاسد ليسقط فى يد القضاء المصرى الشريف، المجلس العسكرى يحاول الحفاظ على هيبة الدولة وسلطة القانون ووضع خارطة طريق لتسليم مقاليد الحكم لحكومة ومجلس نواب تختارهم الإرادة الشعبية عن طريق صناديق نزيهة.

الثورة المضادة ومحاولات إشاعة الفوضى والترويع ومحاولات إسقاط هيبة الدولة والإساءة لسمعة مصر فى الخارج، وإظهار أن المجلس العسكرى والجيش لا يستطيعان السيطرة على مقاليد الأمور، هى الهدف الرئيسى لأعداء مصر فى الخارج والداخل.

المشكلة الآن هى فى النفوس الضعيفة وثقافات تعلمناها ورضعناها وتنفسناها مع النظام البائد، النظام المخلوع صنع منظومة متكاملة من الفساد المالى والإدارى والإعلامى والقانونى والتشريعى والتعليمى والصحى والأمنى والسياسى وانتفض الشعب بكل فئاته لهدم هذه المنظومة، ولكن الطريق إلى تحقيق أهداف الثورة مازال طويلا جدا، دعونى أرصد هنا بعض الآلام المصاحبة لمخاض الحرية الصعب فى بلدى العزيزة مصر، وأقول لها شدى حيلك يا مصر واصبرى فرج الله قريب جدا.

أولا: الطامة الكبرى وهى ثقافة جمع أكبر كمية من الأموال فى أقصر مدة زمنية بأى وسيلة، وبهذه الثقافة أطلت علينا الأزمات فى الحصول على الغاز أو البنزين، ورفع أسعارها عينى عينك، وارتفاع أسعار السلع الضرورية بدون مبرر.
ثانيا: ثقافة البلطجة التى جعل منها النظام السابق مؤسسة، ولها تمويل لتقوم بممارسة أعمال البلطجة على المستشفيات وأقسام الشرطة، وقطع الطرق والحرق والسرقة والاستيلاء على ممتلكات الدولة، وتخريب بنيتها التحتية وتبوير الأراضى الزراعية.

ثالثا: ثقافة الاستقطاب السياسى الحاد وتصنيف المجتمع إلى أصناف ما أنزل الله بها من سلطان، ويصل الاستقطاب إلى حد الإقصاء ومحاولات فرضه بقوة القانون.

كلنا يعرف فشل بعض الأحزاب والجماعات والجمعيات فى تطبيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة فى مؤسساتهم، وأنا أتساءل كيف ستنجحون فى تطبيق هذه المبادئ فى الدولة المنتظرة مما أدى حدوث انشقاقات وانقسامات فى الكيان الواحد.

أعتقد أن فاقد الشىء لا يعطيه، واعتقد الكثير من تجمعات ما قبل الثورة فى حاجة لإعلان التوبة مشاركة النظام البائد فى اللعبة السياسية، وإضفاء الشرعية عليه.

رابعا: ثقافة التشكيك فى كل شىء، التشكيك فى النوايا والتشكيك فى الوطنية، ومحاسبة الناس على ما فى ضمائرهم وليس على ما يفعلونه فأصبحت غالبية هذا الشعب والمسئولين عن المرحلة الانتقالية فى موضع النقد والريبة من بعض المثقفين والنخبة على الفضائيات، والصحافة التى تعمل فى جو سماه الشرفاء الفوضى الإعلامية وعدم الانضباط الأخلاقى للإعلام ومحاولات البعض الانقضاض على قوانين هذا البلد وكأنه بلد بدون قوانين.

خامسا: الحكومة نفسها مازالت لم تستطع التخلص من ثقافة وزراء النظام المخلوع، وأهمها عدم تحمل النقد والتردد والتباطؤ وإصدار قرارات مرتعشة وضعيفة.

الحقيقة أن وزراء اليوم لا يختلفون عن وزراء الأمس حب الظهور الإعلامى والكلام بطريقة ارتجالية ووعود كثيرة، ولكن الأفعال قليلة، ستة أشهر ولم تنجز الحد الأدنى والحد الأقصى كما وعدت، أكثر من ستة أشهر ولم تكمل تطهير الأجهزة الأمنية وتغيير عقيدتها القديمة فى القمع والاستبداد والتعالى على أبناء الشعب الشرفاء، وعدت بقانون الغدر ولم تف بوعدها وأصدرت قوانين للانتخابات والدوائر وتكوين الأحزاب دون الاستماع لغالبية القوى السياسية التى اعترضت ورفضت هذه القوانين.

وإذا فشلت حكومة فى بند إزالة القمامة التى تكدست فى الشوارع، فكيف تنجح فى أمور أخرى مهمة، الحقيقة لم تف الحكومة بأى وعد قطعته على نفسها.

سادسا: ثقافة الاستفزاز وبكل أسف كل يوم تصدر تصريحات وقرارات لا هم لها ولا هدف ولم نجن منها إلا الاستفزاز المستمر لهذا الشعب، وأكبر مثل على ذلك بناء جدار يحمى السفارة الإسرائيلية، والكل يعلم مدى كراهية شعوبنا العربية لسياسة الجدران العازلة، لأنها فكرة صهيونية طبقت فى الضفة الغربية وعلى حدود مصر وغزة، وفى بغداد إبان الاحتلال الأمريكى.

وأعتقد أنه قرار جانبه الصواب، وكان الأفضل نقل السفارة إلى مكان آخر يسهل تأمينه بالطرق المتعارف عليها، وخاصة أن الشعب غاضب تماما على إهدار دم شهدائنا على الحدود ورفض الاعتذار بصلف إسرائيلى نعانى منه من ستين سنة.

سابعا: ثقافة الحكم بالطوارئ، كأننا شعب إرهابى لا ينفع معه إلا قوانين استثنائية، وأنا والكثيرون مثلى نكره قانون الطوارئ، وإلغاء القوانين الاستثنائية كان مطلبا شعبيا منذ عشرات السنين ومازال هدفا من أهداف الثورة المهمة، كنا جميعا نتوقع إلغاء قانون الطوارئ وأصابتنا الصدمة عندما قررت الحكومة تفعيل القانون، والمجلس العسكرى يبحث تعديل بعض بنوده، إذا كلمتنا الحكومة عن تفعيل الطوارئ فهذا ارتداد للوراء يثير حفيظتنا ولا يبشر بالخير.

ثامنا: ثقافة القرارات الإدارية لرجال الحكم سواء كان وزيرا أو أقل أو أكبر وعدم اللجوء إلى القانون والقضاء كبديل لهذه القرارات التعسفية فى غلق قناة إعلامية أو وقف إصدار صحيفة.

فى كل دول العالم أى صحيفة أو قناة عملها بمجرد إبلاغ السلطات والبدء فى إجراءات الترخيص والمنع يكون بحكم قضائى، وأعتقد أن أغلب دول العالم لا ترى أى مبرر لوجود وزارة اسمها وزارة الإعلام.

باقى أيام قليلة وتبدا المعركة الانتخابية والتى أدعوا الله أن تكون اليوم قبل الغد، لنشكل حكومة قوية يدعمها ممثلون حقيقيون للشعب، أنا أعتقد أنه لا يوجد حل فى المدى القريب إلا بحكومة منتخبة تتحمل مسئولياتها أمام الشعب وممثليه، ومن هنا أدعو الجميع إلى الوحدة، ولم الشمل والتوقف عن المليونيات غير المبررة والتى أفقدت الملونيات قيمتها، أدعوا الجميع إلى الانطلاق إلى العمل الجاد، ودفع عجلة الإنتاج إلى الأمام، أدعوا الجميع إلى وقف الإضرابات والاعتصامات والوقفات الفئوية التى تعطل عجلة الإنتاج، وأطالب الجميع بالصبر على الحكومة التى ربما تكون جاءت فى مرحلة خطيرة، ونقول صبرنا عقود فلنصبر شهور قليلة، والحق الحق أقول أنا لا أشكك فى صدق نوايا رئيس الوزراء والكثير من وزراء حكومته، ولم أشك لحظة فى قدرة المجلس العسكرى الشريف على حفظ هيبة وكيان الدولة والوفاء بما قطعه على نفسه بكامل إرادته فى تنفيذ أهداف ثورتنا المباركة.

من هنا من على هذا المنبر الحر أدعوا الجميع إلى تطبيق مبادئ الثورة حرية عدالة مساواة فى أنفسهم، ثم فى جماعاتهم وأحزابهم، وأن نقوم جميعا بمصارحة ومكاشفة وتطهير أنفسنا الضعيفة من ثقافات النظام المخلوع، التى رضعناها وتنفسناه لعقود طويلة، وأخير لا أملك إلا أن أقول لمصرنا الحبيبة شدى حيلك يا بلد.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة