قبل يومين من زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى ميلس زيناوى للقاهرة، أكد السفير المصرى الجديد فى إثيوبيا محمد إدريس فور أن الحكومة والشعب الإثيوبى تغيرا إيجابياً فى التعامل مع ملف حوض النيل بعد ثورة 25 يناير مقارنة بما شهدته العلاقات بين البلدين فى عهد النظام السابق.
وقال إدريس فى حواره مع "اليوم السابع"، إنه يحمل رسالة من حكومة وشعب مصر إلى حكومة وشعب إثيوبيا فحواها أن المرحلة المقبلة تحمل فرصاً وتحديات فى العلاقات بين البلدين نسعى لمواجهتها سويا عبر خلق التعاون الجاد القائم على الشراكة بين البلدين.
وأوضح إدريس، أنه لا يمكن لجهة مصرية واحدة أن تستأثر بملف حوض النيل، سواء الخارجية أو غيرها، كما أن للمؤسسات الدينية دور ولكنه بعيداً عن السياسة، لافتاً إلى أن مصر فى عهد الزعيم جمال عبد الناصر كان دورها نشيط ومؤثر فى أفريقيا، أما فى عهد مبارك تراجع لحساب قوى خارجية منها إسرائيل والصين والبرازيل.. وإلى تفاصيل الحوار:
• فى البداية نريد التعرف عليك وكيفية تبوأ هذا المنصب فى ظل الظروف الحالية وسط ملفات حوض النيل؟
- أنا أتشرف بانتمائى لمؤسسة وطنية لها دور يبرز مكانة مصر فى الخارج ألا وهى وزارة الخارجية المصرية، وكان آخر منصب لى بها هو نائب مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة وقبله نائب سفير مصر فى دمشق وعضو فى سفارة مصر بواشنطن وأنقرة، والمهمة المقبلة فى أثيوبيا فى هذا التوقيت التى تمر به مصر والقارة هى مهمة وطنية قومية سأبذل كل الجهد لتحقيقها.
• بمناسبة توليك منصب سفير مصر فى إثيوبيا ما هى الرسالة التى تحملها فى حقيبتك للحكومة والشعب الإثيوبى من حكومة شرف وشعب مصر؟
- أحمل معى رسالة من الحكومة وشعب مصر إلى حكومة وشعب إثيوبيا فحواها أننا نتطلع خلال الفترة المقبلة إلى مرحلة جديدة فى العلاقات بين البلدين، وأن هذه المرحلة تحمل فرصاً وتحديات فى العلاقات بين البلدين نسعى لمواجهتها سويا وخلق التعاون الجاد القائم على الشراكة بين البلدين لتطويرها فى مصلحة الشعبين.
• كيف يتم هذا التعاون؟
- أولاً: استعادة الثقة مع الشعب والحكومة الإثيوبية لأنهما دولة وشعب عريق لهما تاريخ وحضارة ودور مهم فى القارة الأفريقية ولابد التعامل معهما على قاعدة التقدير والتفاهم للمصالح التى يتطلع لها الجانب الإثيوبى، وأن نتعاون سويا من منطلق أن البلدين لهم دور رائد فى أفريقيا.
ثانياً: التواصل المستمر عبر جميع المستويات بدءاً من الشعب والحكومة والرئيس القادم وهذا يؤكده اللقاءات المستمرة التى تدفع العلاقات إلى الأمام عبر التعاون الاقتصادى والتجارى من خلال تفعيل الشراكة كما كان يحدث فى الماضى من خلال حركات الكفاح ضد الاستعمار.
• كيف ترى حل ملف حوض النيل؟
- حل ملف حوض النيل لا يبدأ من ملف حوض النيل ولا ينتهى عنده ولكن علينا ان ننظر للأمور من منظور اشمل من مجمل العلاقات.
وهذا الملف معقد وشائك والتعامل معه لابد أن يتم خلال المرحلة المقبلة من خلال تطوير العلاقات وتسيير بعض الملفات العالقة فى حوض النيل.
• هل ما فعلته إثيوبيا من تأجيل التصديق على الاتفاقية الإطارية لحين استقرار الوضع السياسى فى مصر مؤشر على حل ملف حوض النيل؟
- ما فعلته إثيوبيا هو محل تقدير من الجانب المصرى وهذا مؤشر على أننا نسير فى الطريق الصحيح ونحن نسعى سويا لحل وتفهمات مشتركة تحقق مصالح البلدين.. هناك مصالح للجانب الإثيوبى حريصين عليها وكذلك مصالح مصريه نحرص على تحقيقها خلال الفترة المقبلة.
• بما أنك تتحدث عن التكامل فى العلاقات بين البلدين هل ملف الاتفاقية الإطارية سيكون محصورا فى وزارة الخارجية ام ستشترك فيه جهات مختلفة؟
- بالتأكيد ملف النيل لابد أن تشارك فيه اللجنة العليا لمياه النيل التى تضم عدد من الوزارات والجهات ذات الصلة، كما أن هذا الملف لن يكون قاصرا على وزارة الخارجية أو أية جهة أخرى بعينها ولكنه ملف تشترك فيه مؤسسات عديدة داخل الدولة المصرية وكل من إسهامه وزواياه الفنية والسياسية والتاريخية والاقتصادية وكل طرف سيسهم فيه.
• تعدد الجهات قد يكون سبباً رئيسياً فى عدم حل المشكلة، فكيف يمكن التنسيق بين هذه الجهات دون تكرار ما كان يحدث فى الماضى؟
- مثل هذه الملفات يجب النظر إليها على أنها ملفات وطنية وليست ملفات وزارة الخارجية أو وزارة الرى، وهذه الملفات لها جوانب مختلفة ومن الضرورى أن تساهم كل جهة فيها، ولا يمكن أن تنهض به جهة واحدة، ولكن يجب التنسيق بينها وأن تتشاور وتتحاور فيما بينها فى شكل حوار وطنى يهدف إلى بلورة رؤية مشتركة، والفترة المقبلة ستشهد التنسيق من قبل كافة الجهات فى إطار وطنى متكامل.
• ما هو دور الكنيسة أو الأزهر لمساعدتكم؟
- لا جدال حول دور الكنيسة والأزهر برئاسة فضيلة، وقد التقيت بكل من الإمام أحمد الطيب والبابا شنودة ليس من منطلق تسييس دورهما من خلال خلط الدين فى السياسة والعكس وليس الدور المطلوب أن يكون للأزهر والكنيسة دور فى القرار السياسى. وأعتقد أن العلاقة بين أى شعبين لها مساحات تتمثل فى خصوصية هذا الشعبين وتاريخهم وتكوينهم ولذا فالبعد الدينى مهم وجوهرى فى حياة كل شعب، وهناك دور لإثيوبيا فى عصر الإسلام والرحلة المقدسة، وبالتالى دور الكنيسة والأزهر يتمثل فى تعميق هذه العلاقة والمساحة بين الشعبين لتتمثل فى إرسال وفود وبعثات تعليمية لخلق تواصل بين المؤسسات الدينية.
ولكن فى النهاية ليس هناك حلاً سحرياً فى يد مؤسسة واحدة، ومصر وإثيوبيا لهما علاقات تاريخية قديمة وليست علاقات أمس والطبيعى أن يكون بينهما علاقات نسعى لتعميقهما خلال الفترة المقبلة.
* كيف تفسر استمرار الاعتلاء فى تصريحات رئيس وزارء إثيوبيا وكان أبرزها أنه سيتم بناء سد الألفية حتى لو لم توافق مصر؟
- التصريحات ليست هى التى تدير العلاقات بين أى طرفين وهناك تصريحات من الجانب الإثيوبى تحمل قدرا إيجابيا فى العلاقات وتتمثل فى أن هذا السد لن يؤثر سلباً على مصر حتى فى لتر واحد وإذا ثبت ذلك سنتخذ ما يلزم لما يخدم مصر.
وهنا علينا أن نركز على دور الإعلام فى المرحلة المقبلة بشكل لا يؤدى إلى توتر العلاقات وتوخى الدقة والموضوعية والتعرف عليها من منطلق دفع الأمور إلى تفاهم وتقارب وليس إلى خلاف.
• هل قرارات اللجنة المصرية السودانية الإثيوبية بشأن دراسة آثار سد الألفية ملزمة للدول الثلاثة، أم أنها توصيات لكم أن تلتزموا بها أو لا تلتزموا بها؟
- الآن جارى الاتفاق بين البلدين على مراجع عمل اللجنة وعلى رأسها كيفية العمل بتوصياتها ومدى إلزامها للدول الثلاث، لكن هذا الجهد المشترك بين الأطراف لا يمكن أن يجعل طرف يتمسك بوجهة نظره على طرف آخر، خاصة وأن هذه اللجنة يمثل فيها كل طرف بنفس القدر وبنفس الفعالية التى تؤثر فى العمل بشكل متساوٍ، وهذه القرارات تستهدف التوصل إلى قرارات تعبر إلى منطقة جديدة للتفاهم على أسس موضوعية.
• لو افترضنا السيناريو الأسوأ وتم التصديق على الاتفاقية الإطارية.. ما الخطوات التى ستتخذها مصر؟
- نحن على استعداد لكافة السيناريوهات لكن لا نعمل على افتراض السيناريو الاسوأ بل نعمل على السيناريو المنطقى الذى سيتحقق فى النهاية ويتمثل فى انه لكل دولة من دول هذا النهر العظيم مصالح ومتطلبات وتطلعات ولا يمكن أن يتم التعامل معها من منطلق طرف واحد وبالتالى هذا السيناريو يمكن ان يمثل الصيغة الملائمة لتحقيق أهداف هذه الدول كلها، وفى النهاية لا يستطيع أحد أن يفرض علينا واقعا إجباريا.
• ليس فرضاً وإجباراً ولكن أغلب دول حوض النيل وافقت على الاتفاقية الإطارية؟
- صمت قليلاً ثم قال: هذه الاتفاقية لم تدخل حيز الاتفاق حتى الآن ولدى دولتين مهمتين وهما مصر والسودان تحفظات على بعض بنودها، وهناك رؤية تنص على التعامل مع هذا الملف من منظور مستقبلى وفنى وعلمى. فنحن نختلف حول القدر اليسير والندر القليل من مياه النهر أما القدر الأعظم يضيع هباءً.
• ما سبب تراجع وجود مصر فى القارة الأفريقية فى عهد مبارك مقارنة بعهدى عبد الناصر والسادات؟
- كان لمصر فى فترة الرئيس عبد الناصر سياسة افريقية نشيطة تقوم على رؤية للدور الذى ترغب مصر أن تضطلع به فى القارة الافريقية وهذه السياسة اثمرت لأنه فى أوقات كثيرة كان من يساندنا ويدعمنا الدول الافريقية وفى فترة لاحقة اختلطت الأولويات وتراجعت اولوية الملف الافريقى وهذا كان خطأ يجب أن نعترف به وانعكس سلبيا على علاقتنا بالقارة الافريقية.
والقارة الأفريقية حالياً تنمو وتنهض وتواجه مشكلات كبيرة فى التنمية وتتطلع إلى دور مصرى فى مساعتها للتغلب على هذه المشكلات وإذا تراجعنا عن القيام بهذا الدور ستملئه أطراف أخرى فيجب أن نتعامل مع القارة من منظور احتياجتها وليس فقط احتياجتنا.
وبالفعل دخلت أطراف إقليمية ودولية بقدر كبير من المساعدات مثل الصين والبرازيل والهند واسرائيل فى الوقت الذى اهتممنا فيه نحن بالشأن الداخلى المصرى، كما أن علاقتنا بالجانب الغربى اتخذ اهتماما اكبر من الأفريقى.
وشعار مصر أولاً لا يعنى ابتعاد مصر عن الآخرين والاهتمام فقط بالشأن المصرى، بل يعنى مصر المتواجدة والفاعلة والمؤثرة والمنفتحة على الدول الأخرى.
• كيف ترى الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا؟
- الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا ليس غريبا ولا يجب أن يزعجنا أو يقلقنا فمن الطبيعى أن يتحرك الآخرون ولكن لابد ألا نتخذ ذلك مبررا للتقاعس أو عدم بذل الجهود بل يجب أن نسعى لمصالحنا وندرك أننا الطرف الأصيل فى هذه القارة وبالتالى الأكثر قدرة على التأثير وألا نترك فراغا أخرا يملئوه آخرون ويمس مصالحنا الحيوية.
• أرجعت إثيوبيا سبب الخلاف مع مصر فى النظام السابق إلى معالاة المسئولين فى التعامل معها، فضلا عن دخول المخابرات كطرف فى التعامل معها وتمويلها لبعض الأطراف المناهضة لها ولاسيما فى الصومال.. ما تعليقك؟
- ما يجب أن يكون التعامل مع الشعوب بمنطلق التاريخ. واثيوبيا لها دور كبير وحضارة وثقافة كبيرة ويجب أن نتعامل معها من هذا المنظور، ونفس الأمر يسرى على بقية الدول.. والرسائل التى نوجهها لهذه الدول يحب أن تعزز ذلك.. فلا يكون تمثيلنا اقل من مستوى التمثيل المفترض فى الاجتماعات الأفريقية مثلما كان يحدث فى الماضى.. فهذا كان له تأثيرات سلبية وأعطى رسالة للطرف الأخر بأن اهتمامنا به قليل ولا يعطى له المكانة وأعتقد ان هذه الرسالة لن تكون موجودة فى الفترة المقبلة.كما يجب أن نكون طرفا فى مستقبل هذه القارة لنكون حاضرين نفس طموحات واتفاقات وطموحات الرؤساء الأفارقة.
* فى وجهة نظرك ما هى الأسباب التى أدت إلى دخول المخابرات كطرف فى السياسة الخارجية لمصر فى أفريقيا؟
- السياسة الخارجية لها أطراف كثيرة يشاركوا فيها ووزارة الخار جية الجهاز التنفيذى لها، لكن هناك قضايا وطنية تتعلق بالأمن القومى المصرى وهذه القضايا لا ينفرد بها جهاز واحد وهذا يحدث فى كل دول العالم.. وهناك فكرة تم طرحها فى مصر وربما يتم تنفيذها الفترة المقبلة وهى تشكيل مجلس أمن قومى يضم الوزارات والأجهزة المختلفة والمعنية ويتعامل مع القضايا الكبرى ذات الصلة بالأمن القومى.. ومثل هذه الملفات يجب أن تحل بالتعاون والتنسيق بين هذه الوزارات والأجهزة وهو ما يحدث حاليا وستكون له ثمار إيجابية.
• ولكن لم تكن له ثمار إيجابية فى الفترة السابقة.. فدخول المخابرات فى لعبة السياسة الخارجية، خصوصاً فى العلاقة بين مصر وأفريقيا اشتكت منها الدول الأفريقية وعلى رأسها إثيوبيا.. فهل هناك تغيير فى نظرة دخول المخابرات فى قضية مياه النيل؟
- هناك تعاون بين الأجهزة المعنية وليس هناك توجها لاستئثار أى مؤسسة وطنية وهناك توجه إيجابى تشارك فيه المؤسسات المختلفة كل من منظوره ودوره المعين لاستهداف تحقيق مصلحة وطنية واحدة، ففكرة أن تكون هناك جهة واحدة تستئثر بالملفات لن يكون لها واقع بعد ثورة 25 يناير.
• بما تفسر عدم التواجد المصرى لرجال الأعمال فى القارة الافريقية؟
- تواجد رجال الأعمال المصريين فى القارة الأفريقية ليس بالقدر الكافى ويحتاج إلى تطوير من خلال وجود علاقات سياسية جيدة بيننا وبين الدول الأفريقية وفى نفس الوقت تطور القطاع الخاص داخل الدولة نفسها، فضلاً عن ملائمة القوانين الداخلية لمساعدة رجال الأعمال وتشجيعهم ولا يصح أن نواجه موقف سياسى معارض مثل إشكالية مياه النيل بدفع بعض رجال الأعمال لإقامة مشروع هنا أو هناك.
• هل مطروح على أجندة الخارجية فى الفترة المقبلة بذل جهود أكبر فى دولتى جنوب السودان وإريتريا بحيث تضمن ولائهما لمصر فيما يتعلق بقضية المياه؟
- لا أميل إلى أن ننظر إلى كل قضية داخلية أو خارجية من منظور مياه النيل فجنوب السودان دولة مهمة بالنسبة لمصر وذات عمق استراتيجى لها ولنا علاقات تاريخية وحاضرة ومستقبلية معها وسيظل الشأن السودانى ذات أولوية كبرى وأيضا أمن البحر الأحمر وما يحدث فى القرن الافريقى يهم مصر فنحن نهتم بهذه المنطقة وهذه مساحة ليست للمواجهة ولكن للحوار والتنسيق والتعاون مع الجانب الإثيوبى الذى لديه اهتمام بالسودان والقرن الافريقى.. التعامل فى هذه المناطق لا يجب أن يكون من منطلق تضارب المصالح أو المواجهات..
• ولكن إثيوبيا تتعامل من هذا المنطلق؟
- مدخل اهتمامنا بالعلاقات مع القارات الافريقية ليس الاتفاقية الإطارية فقط التى تمثل شئ مستحدث فى طريق طويل والمسار الذى يجب أن نحرص عليه هو أن هذه المناطق ذات مصالح لدينا والتعاون خيار أفضل من المواجهة والدخول فى صراعات.
السفير المصرى الجديد فى أديس أبابا لـ"اليوم السابع": لا يستطيع أحد أن يفرض علينا واقعاً إجبارياً .. والمخابرات لن تستأثر بملف المياه.. ولا يجب أن ننزعج من الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا
الجمعة، 16 سبتمبر 2011 09:38 ص
السفير المصرى الجديد فى أديس أبابا محمد إدريس
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد الخشاب
اذا من ماذا ننزعج
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو احمد
سؤال مرة اخري ؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
الاحتباس