حركة دينية كاثوليكية ثقافية تنظم لقاء بإيطاليا.. يؤمنون أن دورهم هو مساعدة الإنسان فى معرفة نفسه.. مسلمون ومسيحيون ويهود وبوذيون يناقشون مصير التقارب الإنسانى بين الشعوب

الخميس، 15 سبتمبر 2011 09:31 م
حركة دينية كاثوليكية ثقافية تنظم لقاء بإيطاليا.. يؤمنون أن دورهم هو مساعدة الإنسان فى معرفة نفسه.. مسلمون ومسيحيون ويهود وبوذيون يناقشون مصير التقارب الإنسانى بين الشعوب لقاء الحركة الدينية الكاثوليكية الثقافية
إيطاليا - سعيد شعيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال لى صديقى الراهب "باولو كازرتا ": أتمنى أن تكون جنة الله هكذا، كنا نقف فى حضن الجبل وتنام أسفله باطمئنان مدينة فلورنسا الإيطالية، صديقى لم يكن يقصد فقط الجغرافيا الرائعة، ولكنه يقصد أيضاً نمط الحياة فى هذه المدينة الغربية، بتقديسها للحريات الفردية والعامة،

وهو ما قاله لى بصياغة أخرى رئيس المجلس الإسلامى فى إيطاليا عبد الواحد فلاديمنيتش، فقد سألته ما هو نوع الدولة التى يريد أن يعيش فيها كمسلم؟

فأجاب الرجل: دولة حرة ومواطنوها أحرار، مثل دولة المدينة التى أسسها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فالأديان لا تزدهر إلا فى مجتمعات حرة.

باولو وعبد الواحد ليسوا استثناءً على ما يبدو فى الحالة الإيطالية، فقد تجسدت فى لقاء ريمنى، الذى انعقد فى هذه المدينة الساحلية الصغيرة، وكان من ضيوفه مسلمون ومسيحيون ويهود وغيرهم من مختلف العقائد والأديان والأفكار، كما أنه يحتضن مختلف الفنون من نحت وسينما وفنون تشكيلية وموسيقى ورقص وغيرهم الكثير، هذا اللقاء الذى يصل عدد زوراه إلى 800 ألف معظمهم من الإيطاليين، ولكن هناك من يأتى من كل أنحاء العالم، سواءً كان مدعواً أو على نفقته الخاصة، كما يشارك فى هذا المؤتمر، وهو الأضخم والأكثر تأثيراً فى أوروبا حوالى 3000 متطوع ومتطوعة، من مختلف الأعمار من الشباب الصغير وحتى كبار السن، هم الذين يقومون بكل شىء، من أول العمل كمرشدين للضيوف، وحتى الكنس والنظافة، ومنهم مدرسون وأساتذة جامعات ومهندسين، الخ.

فلماذا هذا اللقاء أو للدقة المهرجان الفنى الثقافى؟
لا شىء سوى التعارف، أى آن تعرف نفسك وتعرف غيرك، إنها الخبرة الشخصية فى الاحتكاك، وهى أحد الأعمدة الهامة لحركة "شراكة وتحرر" التى أسسها الراهب الكاثوليكى دون جوسانى (1922 – 2005) فى أوائل الستينات من القرن الماضى، وهدفها الرئيسى ليس دعوة الآخرين إلى الديانة المسيحية، ولا إلى المذهب الكاثوليكى، ولكن معرفة الذات من خلال معرفة الآخر، فمن المستحيل، طبقاً لتصورهم، أن تعرف نفسك دون أن تعرف الآخر كما هو، وهذه المعرفة هى التى تمهد الطريق إلى معرفة الله، أو للدقة اكتشاف الله جل علاه داخلنا.

هذه الحركة التى بدأت من مدرسة ثانوية، حيث كان يعمل دون جوسانى، اتسعت ليصبح أعضاؤها وأصدقاؤها بالملايين من مختلف أنحاء العالم (77 دولة)، ولكنها متمركزة أكثر فى إيطاليا، واحد تجلياتها هذا اللقاء السنوى الذى يهدف للصداقة بين الشعوب.

صديقى باولو الذى تعرفت عليه فى القاهرة منذ حوالى عشر سنوات، هو أحد أعضائها، وهو ليس راهباً فى الكنيسة، ولكنه "راهب عذرى"، وهو نوع من الرهبنة ليس معروفاً فى مصر، يعيش صاحبه الحياة مثل أى مواطن، يعمل فى أى مجال مثل باقى الناس ولكنه لا يتزوج ولا يتملك شيئاً، وقد وهب نفسه للمسيح، فهدفه الوحيد أن يقدم نموذجا للمسيحى الجيد، لا أكثر ولا أقل، أى يقدم لغيره من الناس ما يجب أن يكون عليه المسيحى.

هذا لا يعنى أنه يعظ غيره، فهذا لا يحدث أبداً، ولكنه يقدم سلوكاً فى مختلف جوانب الحياة، يكون مرشده فيها هو القيم الإنسانية الرفيعة، فهو لا يكذب ولا يسرق ويسعى بكل قوته لأن يخدم غيره بأى شكل وبأى طريقة.

هذا النوع من الرهبنة فيه رجال ونساء، يعيش الرجال معاً فى بيوت مشتركة، وكذلك النساء، وهؤلاء لعبوا دوراً كبيراً فى تأسيس وانتشار حركة "مشاركة وتحرر"، كما أن هذه الحركة تضم ملايين المواطنين مثلى ومثلك، يعيشون حياتهم العادية ولكنهم يتمثلون القيم الرفيعة للحركة والقيم الرفيعة للمسيحية، وهى فى جوهرها القيم المشتركة لكل الأديان، والقيم المشتركة لكل الإنسانية.

فى الحقيقة عندما سمعت من دون أمبروجو وهو أستاذ فى جامعة ميلانو وراهب عذرى أيضاً هذه الأفكار منذ حوالى 8 سنوات، قلت لنفسى أنه رجل طيب، وأفكاره رومانسية ولا علاقة لها بالواقع، والحوار معه لن يتجاوز كونه نفحة روحية أشبه بالطرق الصوفية، ولكنى اكتشفت بعد وقت طويل أننى كنت مخطئاً، وأن هذا الرجل الحالم بعالم أكثر جمالاً وإنسانية قادر ومعه من هم مثله لأن يحولوا أفكارهم إلى واقع يلتف حوله الملايين.

يمكنك أن تقول أن هذه الحركة الكاثوليكية عقدت مصالحة متينة بين الدين والحياة، بين الدين والناس، ففى هذا اللقاء السنوى الكبير تجد كل الأديان سماوية وأرضية، مسلمون ويهود ومسيحيون وبوذيون، وتجد كل أنواع الفنون، منها على سبيل المثال حفلات لفرق موسيقية وغنائية شعبية، كانت إحداها فى ميدان كبير بالجزء القديم من مدينة ريمنى، كان عدد الحاضرون يقترب من ثلاثة آلاف رجالاً ونساءً وأطفالاً يتمايلون ويرقصون مع الموسيقى الرائعة، فى حالة نشوى راقية، لا أظنها تتناقض مع أى دين.

المعانى التى قالها لى دون أمبروجو أكدتها لى بصياغات أخرى ماريانا، وهى مدرسة من مدينة ميلانو جاءت للعمل متطوعة فى هذا المؤتمر والمهرجان الكبير، وكانت مضيفتى ومرشدتى، فحركة مشاركة وتحرر التى هى عضواً فيها، لا تضع عليها أى قيود، لكنها جعلت لحياتها معنى وهدف، وعندما سألتها، هل هناك تناقض بين كونها مسيحية متدينة وبين حياتها فى مجتمع يقدس الحريات الفردية؟

نفت وجود هذا التناقض، فالحركة والكنيسة على سبيل المثال تقترح عليهم كأعضاء تأجيل حياتهم الجنسية لما بعد الزواج، لأن هذا يعنى أنك تحب فعلاً من اخترته لتكمل حياتك معه، كما عبرت ماريانا عن رفضها للزواج المثلى (الرجال بالرجال والنساء بالنساء)، واعتبرت أنه انتهاك ليس فقط للأديان، ولكنه انتهاك أيضاً للطبيعة الإنسانية وللحياة، لكنها فى ذات الوقت رفضت أن يتم ذلك بقيود قانونية.

ثم قالت: "الناس المتدينون أكثر ذكاءً وسعادة من الآخرين، لأنهم جعلوا لحياتهم هدفا ومعنى".

ماريانا محقة بالطبع، فالتدين الصوفى، بالمعنى الذى تذكره وبالمعنى الإسلامى يمنح الإنسان سلاماً روحياً من الصعب إحاطته بكلمات، ولكنه يجعل روح الإنسان تشع سعادة وتسامح، وربما هذا بالتحديد ما جعلها تنزعج من سؤالى: إذا كنتم حركة دينية أعضاؤها وأصدقائها بالملايين وترغبون فى إصلاح العالم، فلماذا لا تحكمون إيطاليا حتى تنفذون أفكاركم، وتجعلون العالم أكثر جمالاً؟

ردت بحسم: الأمر ليس فى أن تحكم العالم، ولكن أن تعطى نموذجاً جيداً للآخرين، نموذجا للمسيحى الكاثوليكى، وهذه هى الفكرة الأساسية فى حركة مشاركة وتحرر، وهذا يدفع من هم حولك لأن يعيدوا اكتشاف أنفسهم واكتشاف الله فى قلوبهم، وبهذا يتغير العالم للأفضل.

هذا المعنى أكده دون أمبروجو وهو مسئول العلاقات الخارجية فى الحركة، فلا يمكن أن تغير العالم بالإجبار، فالهدف هو مساعدة الإنسان للتوصل إلى معرفة الهدف الرئيسى أو مهمته فى الحياة، أن تكتشف المسيح فى حياتك، وبهذا يتغير قلبك، وبهذا يتغير العالم.

وأضاف أمبروجو: نحن نحب الحرية، لأن الله يحب حرية الناس أكثر من عبادتهم له، لا توجد حياة بدون حرية، لا توجد حضارة بدون حرية.

حركة مشاركة وتحرر من أعضاءها مستشار الرئيس الإيطالى، وآخر يتولى رئاسة مقاطعة لومباريتا، فكيف يحققون أهداف الحركة فى مواقعهم؟

الأمر بسيط هكذا أجاب أمبروجو، وأضاف: بأن يفعلوا ما يفيد الناس، بأن يساهموا مثلاً فى التنمية، وهذا يجعل الحياة الاقتصادية للمواطنين أفضل.

وكان سؤالى الأخير: كيف تقبل كرجل دين أن تعيش فى مجتمع يشهد مظاهر إباحية جنسية؟

وكان جوابه: نحن نرى أن كل الناس متدينين، أياً كانت الديانة، ورجل الدين مجرد إنسان، كل دوره هو أن يساعد غيره فى أن يجدوا معنى وهدف لحياتهم، أن يجدوا المسيح فى قلوبهم، وهذا من المستحيل تحقيقه بالقمع.

إنه الدين المعاملة كما يقول الإسلام، وهذا ما قاله معظم من قابلتهم فى مؤتمر الميتنج "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، إنها ذات المبادئ التى تستند إلى حرية الإنسان المطلقة فى الاختيار، حريته فى أن يصل إلى الله جل علاه، دون قمع من رجال دين أو سياسة أو حكم".

من المؤكد أن أوروبا أكثر حساسية منا فيما يتعلق بخلط الدين بالدولة، ومن سيطرة رجال الدين على الحكم، وكما قال لى الكاردينال أنطونويس نجيب بطريرك الأقباط الكاثوليك فى مصر، أن خبرة الكنيسة الكاثوليكية فى إحدى المراحل لم تكن أنصع فترات تاريخها، وأنها أصبحت أقوى بعد أن تخلصت من علاقتها بالسياسة، وأضاف الكاردينال: لا يجب أن يتزاوج الدين بالسياسة.

هذا صحيح بالطبع، وسوف يرد أنصار التيار الدينى السياسى عندنا فى مصر، بأن الإسلام لم يشهد أبداً استبداد المؤسسات الدينية ولا حكمها، وهذا صحيح ولكن كثيراً من الحكام فى التاريخ الإسلامى حكموا باسم الدين، ومارس أكثرهم استبداداً باسم الدين لا يختلف كثيراً عن استبداد الكنيسة الأوربية.

هذا المؤتمر أو اللقاء الذى امتد سبعة أيام وكان يشع بروح التسامح، لم يخل من تلميحات قليلة تتضمن فهماً مغلوطاً للدين الإسلامى، فالبعض يرى أن الإرهاب الذى يستخدم شعارات دينية نتاج للدين الإسلامى نفسه، وليس الثقافة الدينية السائدة، وهى نتاج لطبيعة المجتمعات ومدى تطورها، فقد أرجع أحدهم حالة التسامح التى شهدها اللقاء بأنها سحر المسيحية، وهذا صحيح، ولكنه أيضا سحر كل الأديان، ففى التاريخ الإسلامى هناك تيارات تتبنى هذه الرؤية الإنسانية على امتداد التاريخ، وهناك من تبنى عكسها، بالضبط مثلما حدث مع المسيحية.

هذا كان مثار نقاش مع رئيس تحرير مجلة نخلستان "مارتينيو باردازيا" الصادرة عن مؤسسة الواحة الدولية وهى معنية باللاهوت المسيحى، فقد قلت له أن الإرهاب الدينى أو الإرهاب الذى يستغل الأديان ليس مرتبطاً بدين، فأوروبا شهدت حروباً دينية طاحنة باسم المسيح، كما أنها غزت بلادنا رافعة راية الصليب.

وافقنى مارتينو، ولكنه قال لى إن هذا الإرهاب يسميه حروباً دينية، وما يحدث الآن يسميه إرهابا لأن الذين يقومون به لا يريدون فقط القتل، ولكن الظهور فى الصحافة والإعلام، وإذا لم يحدث ذلك يعتبرون أن عملهم الإرهابى فشل، فالإرهاب بهذا المعنى هو مفهوم حديث.

ثم عرف ماتينيو الإرهاب بأنه تكفير الآخرين أيا كانت عقيدتهم، فصاحبه يرى أنه الوحيد الذى يملك الحقيقة، وأكد مارتينو أخيراً أنه لا يجب أن نلصق الإرهاب بالدين الإسلامى ولا بأى دين.

وهذا صحيح، فعلينا أن نحمل الخطايا لمن يرتكبونها، وليس لما يدعون أنهم يعتنقونه من أديان.

















مشاركة




التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى للابد

جميل قوى المقال ده

عدد الردود 0

بواسطة:

hafez

الفرق كبيييير

عدد الردود 0

بواسطة:

samuel

hop

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري

بعد الاوروبيين عن دينهم السبب الوحيد لتطورهم

عدد الردود 0

بواسطة:

samuel

to 4

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة